قال: لما وصل السلطان حران عند عبوره الفرات وبعد تسلم الرهى أبلغ في إكرام مظفر الدين المنتهى المشتهى وقام المذكور بما وجب عليه من حق الخدمة وشكر النعمة واحتفل بنزولها على بلده وسخى لنا بسبده ولبده ومن غرايب رغايبه أنه نفذ إلى صاحبه بألطافه وأنه يعتزر عن المقدم المنقود بوعد إضعافه ويقول ههنا بحران قرية من قراها وقد جعلت برسم وفادتك قراها ولم تزل هذه الضيعة المسماة ضرعة باسم كاتب الموصل وأنت أولى بها فأنت يمين الدولة وأجل كتابها، واستأذن السلطان في كتبها إلى ملكية شرعية معقودة مرعية فأشهدت عليه وعلى السلطان بإجازتها وتغردت بحيازتها عشر سنين إلى آخر العهد السلطاني سقاه الله العهاد.
قال: وفي هذه السنة أنعم السلطان على نور الدين بن قرار أرسلان لأعمال الهيثم ثم سلمها إليه دون أعمالها تحلة ليمينه ووفاء بوعده لكرمه ودينه، ولما جاء لمساعدتنا في هذا العام خصه عاجلا بهذا الإنعام ثم وهب له قلعة الجديدة وهي من نصيبين (١٢١١) قريبة ولاستصراخ من يدعو أمنها مجيبة ووعده بفتح أمد له وأن ينجح بتسليمها إليه أمله فقط كان أبوه فخر الدين قرار أرسلان درج على حسره أمد وكان الرئيس علي بن نيسان مرتبا لحصافتها ومزيلا لحصانتها، ولم يزل منها الإبلق الفرد راكبا ولكل من يقاربه فيها مجانبا، وكان يضرب بأحكامها المثل، وفي تيسير فتحها يحقق الأمل، وابن نيسان متغور في كهفه متكهف في غاره، آمن من النوازل والدواير بمنزله وداره، وكان لآمد أمير قديم يقال له ايكلدي من أيام السلاطين القدماء، وولده محمود شيخ كبير عنده يطعمه ويسقيه ويدعي أنه من غلمانه ومصطنعيه وانه يحفظ البلد له ولا يغدر به ولا يؤثر بدله وإذ جاء رسول يحضره عند أميره، ويسند ما يديره إلى تدبيره، ويقول: أنه غلام وما معه كلام ولا عليه فيما يجري ملام.
وكنت عبرت في سنة خمسة وستين لآمد، فقد سيرني الملك العادل نور الدين رحمه الله في مهم، ودفع ملم، واتفق نزول بظاهر آمد بكرة جمعة وحسبت صلاتها على غير ممتنعة فقيل لي تحتاج إلى إستيذان الرئيس وذلك محتاج إلى مقدمات ونتائج ومواصلات ووشايج فقلت: هذا عزر وقدح ضاق الوقت ثم تقدمت إلى غلمان ببتياع مل لا بد منه للطريق من الطعام والعليق فقيل هذا أيضا مشروط بإذن الرئيس فأسرعت الرحيل إزالة للكربة بتنفيس فقدر الله بعد سنين في الدولة الصلاحية أنني دخلتها بالسيف وحللتها حلول المالك لا الضيف، وإنما شرحت هذه الحال استدلالا بها على حزم ابن نيسان. قال: وتوفي وتولى مكانه ابنه مسعود على رسم أبيه وجرى على عاده ثابتة ولم يخطر ببال أحد من الملوك الطمع فيه حتى جاءت الأيام الصلاحية، وصار ابن قرار أرسلان من أشياعها وتدين بأتباعها وأطعمته في إقتناص أبكار الفتوح وافترعها وعرفته أن آمد آمد لا يبعد وأنه عن القيام بمساعدته فيها لا يقعد، وحلف السلطان له على هذا الوعد، وأنه يحقق في حقه صدق القصد.
قال: وكان جمال الدين عيسى صاحب السويداء مسايرا لي في طريق ومذاكرا في جليل ودقيق، وفي جملة ما قاله هذا سلطانكم يحلف على المستحيل فإن فتح آمد ممتنع الدليل فقلت له: سعادته من الله تزلل المصاعب، وتسهل المطالب ولما خيمن بحران بعد العودة من الموصل تقاصى ابن قرار أرسلان بإنجاز عدته فأذن في تفرق المعسكر للاستراحة ووعده بتحقيق الوعد عند العودة واستمر على هذا العهد إلى أن وصل الخبر باجتماع شاه أرمن صاحب خلاط، وأنه اتصل به صاحب الموصل عند ماردين وأنهم خرجوا على نية أن يكونوا لنا طاردين ماردين