وقد سبق ذكر غدر ابرنس الكرك وهو على طريق العسكر المصري والحاج وكان في الحج حسام الدين محمد بن عمر بن لاجين ووالدته أخت السلطان وجماعة من الخواص وأقام إلى تلقي الحجيج وذلك في آخر صفر ثم لما فرغ باله حم إلى الكرك استلاله وتقدم بمن معه من العساكر حتى نزل على حصنها فأقمنا هناك حتى أجتث أصولها وفروعها وأستأصل كرومها وزروعها. ووصل العسكر المصري يقوى الاستظهار، وأقمنا على الحالة الحالية والجلالة الجالية، وأما الملك الأفضل فإنه اجتمعت عنده الجنود من كل فريق وأتوه من كل فج عميق وضاق بوفودهم الفضاء وفاض بوفورهم الفضاء انقضى من السنة شهران وطال بهم انتظار السلطان فرأى الملك الأفضل أن يشغلهم بغزوة يعودون منها بحظوة فانهض منهم سرية ورتب على خيل الجزيرة وما جاء من الشرق وديار بكر مظفر الدين كوكبرى صاحب حران وعلى عسكر حلب والبلاد الشامية بدر الدن دلدرم ابن ياوق وعلى عسكر دمشق وبلادها صارم الدين قايماز فأسرجوا الخيل وأدلجوا الليل وصبحوا صفورية في أواخر صفر وصباح النصر قد أسفر، وخرج إليهم افرنج في الدواية والاسبتار والبارونية والدركبولية ووثبوا في وثبات الأساد وحملوا في ثبات الأطواد فلولا أن الله أصحب أصحابنا التوفيق لكاد الكفر ينجو والإسلام لا يدرك ما يرجوا لكن أمراءنا الكرام استطابوا الحمام فلاقوهم بقلوب الصخور وهبوب الصقور وفازوا وظفروا وقتلوا وأروا وهلك مقدم الاسبتار وحصل جماعة من فرسانهم في قبضة الإسار فعادوا سالمين غالبين غانمين وكانت تلك النوبة باكورة البركات ومقدمة ما بعدها من ميامين الحركات وجاءتنا البشرى ونحن في نواحي الكرم فلما قرأنا الكتب عدنا واجتمعنا بالعساكر وانتظم شمل الأوايل والأواخر وخيمنا على عشترا وقد ص بخيل الله الوهاد والذرى وأشتمل المعسكر على فراسخ عرضا وطولا وملأنا الملأ حزنا وسهولا وعرض العسكر في اثني عشر ألف مدجج ولما أنقضى العرض وأقتضى الفرض وسالت بأفلاك السماء الأرض كان السلطان قبل رحيله بيوم أركب العسكر بعدته ورتبه أطلابا وحزبه أحزابا وعين رجال القلب ومن يف بالقلب والميمنة وحماتها والميسرة وكماتها والجناحين وقوادمها من ذوي الأقدام والمقدمة والساقة على سنن النظام وعين مواقف الرجال ومواضع الأبطال وعين الجاليشية من كل طلب بأسمائها ورماة أحداقها وحداق رماتها وقرر هيأتهم في الركوب والنزول وسار يوم الجمعة سابع عشر ربيع الآخرة بالعساكر وسارت على تعبيتها وترتيبها وأناخت ليلة السبت على صفين والكفر مخسوف والشرك مكسوف ونسيم النصر من تربها مسوف وباتوا تلك الليلة فلما بكروا ركبوا وقد أخذ بحرهم في الإلتجاج وبرهم في الارتجاج ونزلوا بثغر الإقحوانة وضربت الخيام وزهى الإسلام وأمكن من الكفر الانتقام وأقام السلطان هناك خمسة أيام إلى يوم الخميس ثم صممنا على الإقدام وسلب لبس السلامة من ملابس (٢٣١أ) عداوة الإسلام.