وسير نور الدين الأمير فخر الدين تورانتشاه بن أيوب أخا صلاح الدين إلى مصر وكان خروجه من دمشق عاشر شوال ووصوله إليها ثالث ذي القعدة ورأى أن يمده به ويشد به أزره ويصون مصر بصفوة فخره ويستدسم على الكفر والبدعة ظهوره قال: وكثرت كتب صلاح الدين إلى أصدقائه بالشام فمنها كتاب وضمنه هذا البيت.
انثر الدمع من قبل أبيضا ... وقد حال مذ بنتم فأصبح ياقوتا
ومنها كتاب آخر ضمنه هذا البيت.
ما كنت بالمنظور أقتنع منكم ... ولقد رضيت اليوم بالسموع
قال: وفي هذه السنة قتل العاضد بالقصر ابني شاور وعمهما يوم الأثنين رابع جمادى الآخر وذلك أنه لما قتل شاور عادوا بالقصر وكانما نزلوا في القبر.
قال: ودخلت سنة خمس وستين ونزل الفرنج مستهل صفر على دمياط وأحاطوا بها بحراً بمراكبهم وبراً بكتايبهم فوقع اليأس والبؤس وقنطت النفوس فسبق إليها تقى الدين بن أخي السلطان وشهاب الدين خاله وتوافد إليها الأمراء فرجع إليها بعد الأشقاء الرجا. وأقام صلاح الدين بالقاهرة في دار ملكة ينهض إليها المدد بعد المدد واتصل الحصار واستشرى الشر لكن الأصحاب أولياء أولياء الله صبروا وصابروا وتزاوروا وأمسوا على القتال وأصبحوا وتاجروا لله وربحوا وهدوا بنيان الكفر المرصوص المرصوف وأهلكوا بالعشرات الألوف وأقاموا على دمياط أحدا وخمسين يوما ودب فيهم الفناء (١١٧١) وهب عليهم البلاء (وذهب عنهم الرجاء) ورحلوا بالذل الأكمل والصغار الأشمل.
ولما وصل الخبر إلى الشام أغتنم نور الدين وأمر الأمير قطب الدين خسرو الهذباني أن يسير بالعسكر ويخوض بهم العجاج الأكدر فوصل قبل رحيل الفرنج بأسبوع فوقع روعه من الكفر في كل روع فان للنجدة قليلة كانت أو كثيرة صيتاً يورث شمل العدد تشتيتاً وحبل ذي العتد تبتيتاً.
قال: وكتبت عن الملك العادل نور الدين إلى العاضد كتاباً منه: أطال الله بقاء فلان ولا زالت عوادي نعمة محدقة بأوليائه إحداق الأجفان بالأحداق، وعوادي نقمة محرقة لأعداءه إحراق النيران أهل الشقاق وما أعلت رايات النصر للدين وتليت آيات الذكر المبين الخادم يهنئ بما أسناه الله من الظفر الذي أضحك سن الأيمان وحصل أهل الشرك في شرك الخذلان وأعاد جيش الكفر وأهي الجأش وبدا الضلالة بادية الارتعاش حتى عاد حزب الشيطان مخذولا وسيف الله في رقاب أعدائه مسلولا وذلك ببركات الدولة التي سطع فخرها ولولا صدق اهتمامه بأهل الإسلام وحفظ الأولياء الذين يذبون عن الدين ويحافظون على الذمام لكاد ركن الحق يميل لكيد الباطل فوفق الله فلانا وأيده بنصره وأجرى قضاه وقدره على وفق أمره ورد كيد العدو الكافر في نحره.
قال: وفي هذه السنة كنت رسولا بخلاط عن نور الدين وخرجت من دمشق ضحوة نهار الأربعاء تاسع ذي الحجة ومتوليها حينئذ ظهير الدين سكمان المعروف بشاه أرمن ودخلت خلاط ثاني صفر وعدت على طريق ماردين ومتوليها البى بن تمر تاتش بن الغازي ابن ارتق المنعوت بنجم الدين وعدت إلى دمشق في ربيع الأول أول فصل الشتاء وعدت إلى عادتي في الإنشاء وكانت سفرتي في الرسالة ممزوجة لم يف بشكايتها شكرنا.
قال: وفي أول هذه السنة خرج نور الدين إلى داريا فأعاد عمارة جامعها وتبرك بضريح أبي سليمان الداراني رحمه الله عليه وعمر مشهده وأعاد إلى الحالة الحالية مسجده وشتا بدمشق. ولما دخل فصل النيروز استأذن الأمير نجم الدين أيوب في قصد ولده والخروج من دمشق إلى مصر بأهله وجماعته وسبده ولبده. وسار ووصل إلى مصر في السابع والعشرين من رجب وقضى العاضد من حقه ما وجب، وركب لاستقباله. ولما عزم التوجه إلى مصر شرع في تفريق أملاكه وتوفير ماله فيه شركة على إشراكه، ولم يستصحب شيئاً من موجودة وجعله نهبه جودة.