للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال: توفيت الخاتون العصمية بدمشق في ذو العقدة وهي عصمة الدين ابنة معين الدين أنر وكانت في عصمة الملك العادل نور الدين رحمه الله فلما توفى وخلفه السلطان بالشام في حفظ بلاد الإسلام تزوج بها في سنة اثنتين وسبعين وهي من أعف النساء ولها أمر نافذ ومعروف بأيدي المعروفين آخذ وجناب مايزال يلوذ ويعوذ به لائذ وهي في الدولة حاكمة ولها صدق وصدقات ورواتب للفقراء وإدرارات، وقد بنت للفقهاي والصوفية بدمشق مدرسة ورباط وذلك سوى وقوفها على معتقيها وعوارفها وأياديها وكان السلطان حينئذ بحران في بحر المرض وبحرانه فما أخبرناه بوفاتها خوفا على زايد علته ووقد غلته وهو يسدعى كل يوم درجا ويكتب إليها كتابا طويلا حتى سمع نعى (٢٢٥ ب) ناصر الدين محمد ابن شيركوه ابن عمه فنعيت إليه الخاتون وقد تعدى عنه إليهما المنون وكانت وفاة ناصر الدين بحمص في تاسع ذي الحجة من هذه السنة من غير مرض أشعر بها ولاعلة أضيف حكم الحمام إلى سببها فجأته المنية

فجأة فوجدنا من القدر ببقاء السلطان إحسانا وبوفاة ناصر الدين إساءة وكادت مطالع الأنس تظلم اولا أننا استأفنا لها بالشفاء السلطاني لها إضاءة وكان ناصر الدين هذا إلي محسنا وبفضيلي معلنا ولي فيها مدايح وله عندي منايح وإن أوردتها طالع الكتاب وأول مامدحته بها في الأيام النورية سقاها الله كلمة منها.

قد أذل الكفر قاهره ... وأعز الدين ناصره

كم ساع في الزمان ... له كرمت منها عشايره

وعلى دون الملوك له ... عقدت فيها محاصره

وفي هذه السنة في جمادى الآخر توفي الأمير سعد الدين مسعود ابن أنر ونحن قد فتحنا ميافارقين ولقد كان من الأكارم الأكابر ولم أرى أحسن منه خلقا وأزكى عرقا ولم يزل في الدولتين النورية والصلاحية أميرا مقدما وعظيما مكرما ولسفور فضا يله ووفور فوا ضله رغب السلطان وهو زوج أخته أن يكون هو زوج أخته وواصله السعد تحقيقاً لنعته بالتي تزوج بها مظفر الدين كوكبرى بعده وجدد بها إسعاده وسعده. قال الفتح بن علي بن محمد الأصبهاني منتخب الكتاب وهذه الجهة المصومة بقية شعب الدوحة الأيوبية وهي الآن ساكنة بدمشق وقدمتها في سنة عشرين وستمائة والملك المعظم أبو الفتح عيسى بن السلطان الملك العادل هو القايم بشرايط تعظيم قدرها وتفخيم أمرها وهي التي توسطت بين السلطان وبين زوجها مظفر الدين في اتصال الملك الناصر أبي سليمان داود بن السلطان الملك المعظم حتى يميره من دمشق إلى إربل في رمضان سنة إحدى وعشرين وستمائة وهو الآن متملك تلك البلاد والمتكفل فيها بأموال العباد والله تعالى يبلغه تحت ظل أبيه غاية الطلب ونهية المراد. قال: ولم يزل سعد الدين لي متعصباً ولسعودي متقرباً ولقربه من السلطان يتحجب عنده في مطالبي وينوب عني في تقرير مراتبي.

قال: وفي هذه السنة رد السلطان قلعتي الرها وحران إلى مظفر الدين كوكبري لتوفره في الخدمة على حفظ القوانين وظهر منه كلما حقق الاستظهار وأوجب لأمره الإمرار ورغب في مصاهرة السلطان وقلده وطوق الامتنان.

وفي هذه السنة توفي عز الدين جاولي وهو أكبر الأمراء الأسدية ولم يزل في الجهاد يحسن بلاؤه ويصدق غنائه. ولما عدنا بعد فتح ميافارقين إلى الموصل طرقه البلاء وأوقعه القضاء وقفز لحصانه بعض السواقي فعثر به وأكسرت رجله ثم اشتد ألمه وطال سقمه وانتقل إلى دمشق وتوفي بها في أواخر هذه السنة أو في أول سنة اثنتين وثمانين.

<<  <   >  >>