قال: وكان الملك العادل سيف الدين أبو بكر أخو السلطان على عادته في تولي الديار المصرية مستمرا ولأمورها بفضل سياسته وحسن رعايته ممرا، وهو مستقل بالأمر والنهي يولي ويعزل ويعلي وينزل وهو سلطان الديار المصرية على الحقيقة ومرتب أمورها الجليلة والدقيقة. والسلطان بالشام في مهام الإسلام وهو بأخيه كثير وبحسن أثيره أثير وهو يمده بالرجال والمال ويجري الأرزاق والآجال فلما ملك حلب كتب الملك العادل لها طالبا وفيها وفيما يجري معها من البلاد والمعاقل راغبا فكتب إليه لسؤاله مصيبا ولسؤاله مجيبا وواعده إلى الإجماع به على الكرك ليفوز من بغيته بالدرك واستصحب معه الملك المظفر تقي الدين ابن أخيه ليوليه في مصر ويستنيبه وكل ذلك بمشورة الأجل الفاضل وعنايته بالساير والواصل فإن السلطان ما يزال يأخذ بإشارته ويعطي ويصيب ببركات آرائه ولا يخطئ ولما آب السلطان من الغزوة جعل مآب الجهاد إلى جهة مآب من اقليم الشراوة ونزلنا بادرادر واستأمن إليها أهلها المسلمون فأذقناهم بحلية الدين حلاوة الأمان وساكنوا تلك الأعمال مسلمون من قديم الزمان وتربى أولادهم في حكم الفرنج فألفوا ما ألفوه وخافوا منهم على ظهور حبهم لنا فأخفوه ثم خيمنا على الرية ثم حصرنا الكرك وحصرناها وكانت المناجيق (٢١٥ب) تراوحها وتغاديها وتعاودها وتباديها وتحول السلطان إلى الربض ملازما للغرض وأقام بدار الرئيس ليقرب من المناجيق المنصوبة ويشاهد مواقع النكاية في القلعة المحصورة وكانت سبعة قد فتحت لأهل جهنم سبعة أبواب وفغرت أفواهها وكشرت عن انيابها وفصلت أوصال السور بسوء خطبها وخطابها وقد رتب السلطان نوب الرملة على رجال الأمراء في الصباح والمساء ولم يزل يرجم الحصن ويهدم والسلطان في هذه الأثناء منشغل من جانب بتعمير البلاد وترتيب الممالك ومن جانب بتدمير الكفر والتدبير له في المهالك. ثم انقضى شهر رجب وعلم باجتماع الفرنج في الموضع المعروف بالوالة فقالوا هذا حصر يطول ومسألة تعول وقد أضعفنا الحصن ومكنا منه الوهن، وهذه نصرة قد أحكمنا أسبابها ولا خوف من فواتها وما نزال نعاود بالإضعاف حتى نفوذ بالفتوح ونحوز ذخر الظفر الممنوح وهذا جمع الفرنج ملتئم وحمرهم مضطرم وقد اجتمعوا فنحن نقصدهم ونلقاهم ونقدم عليهم ولا نتوقاهم وسيأتي ذكر عودنا في موضعه.
ولما وصل الملك العادل أظهر عن حب مصر سلوه وطلب من حلب وأقطاعها مرجوه فعول السلطان على تقي الدين في تولي الديار وزاد منه اقطاعه بالشام اقطاعا في مصر وأنعم عليه بالأعمال اليومية وساير نواحيها بجميع جهاتها وجواليها وزاده القبيبات وبوش وأبقى عليه بالبلاد الشامية مدينة حماه وقلعتها وجميع اعمالها وجمله بصحبه سيدنا الفاضل حتى إذا وصل تقي الدين إلى مصر اقتدى بالتدبير الفاضلي واهتدى بسنا رأيه الجليل الجلي.
وكان السلطان لا يؤثر مفارقته ولا يحضره أنس إذا فارق حضرته ولما لم يجد من توجه تقي الدجين إلى مصر بدا وكأنه سيكون بالأعمال مستبداوكانت في تقي الدين إلى مصر جدة لم تكن في الملك العادل احتاج إلى تقويمه إلى تدبير الأجل الفاضل فأذن له في السفر بشرط الاسراع في العودة والمبادرة إلى الاجابة عند تحقق الدعوة فسار بمن في صحبتهما وعاد السلطان بالملك العادل وكتبت لهما منشورتين في شعبان سنة تسع وسبعين،