قال الفتح بن علي بن محمد الأصبهاني منتخب الكتاب: ر حدثني الأمير ظهير الدين غازي بن الأمير السعيد مبارز الدين سنقر الحلبي في محرم سنة اثنتين وعشرين وستمائة وهو أحد الأمراء السلطانية الملكية المعظمية قال: سمعت الملك العادل بحماة يقول لبعض المؤرخين: ومما شافهت به السلطان صلاح الدين في انتهاز الفرصة في فتح القدس مبالغاً في ذلك أني قلت: إن عادتك أن يأخذك القولنج في بعض الأوقات فلو أخذك الليلة وجرى عليك ما لا بد منه من الوفاة علق رهن بيت المقدس في يد الكفر فاجتهد في ذلك وأقضي حق ما أنعم الله به عليك بواجب الشكر فقال: اعمل ما تأمر به وتشير إليه ولا يخالف ما تحكم به وتنص عليه فما فتح المقدس الشريف وما منح ذلك المجد المنيف إلا بالجد العادلي والجد الناصري قدس الله أرواحهما وسهل إلى الفردوس معدلهما ومراحهما. قال الإمام السعيد عماد الدين: فراح السلطان مغز للغزاة الروح مستفتحاً بما هو حل الفتوح وسار واجتمع بالملك العادل في طريقه وتفاوضاً في شكر ما أنعم الله به من نصره وتأييده وشرعاً بعد ذكر الأشواق وتبريحها في موازنة الآراء وترجيجها وتنقيح أداة الصواب وتلقيحها وقد استخار الله تعالى بالنزول على عسقلان يوم الأحد سادس عشر جمادى الآخرة وكان السلطان قد استدعى من دمشق ملك الفرنج ومقدم الداوية المأسورين واستصحبهما محمولين بقيادهما وشرط أنه إذا فتح البلاد بهما أطلقهما فلما نزل على عسقلان راسل الملك أهلها في التسليم فعملوا أنه مستكره فأسقطوا حكمه وعصوا أمره فبسط السلطان عذره وشرع السلطان في مضايقة البلد ونصب عليها من المجانيق كل جاث على الركب جاث للركب جالب معاطن الإبل المعاطن سالب بسكون المساكن وما زال الحجاز ترفض والجدار ينقض والمنجنيقات تضرب وترض حتى خلا السور من حاميه وأمن المقاتلة نكاية مراميه فأقدم النقابون على نقبه ورفعوا عن عروس البلد حجب نقبه وباشروا بالتخريب البواشير ولافح المساعير المساعير ورفعوا عن عروس البلد وقابل المقابيل المدابير فيئسوا من رجاء الانتعاش وتهافتوا على نار الحرب كالفراش فلما أحس الملك بما أحسوا به من الشدايد راسلهم واستحضر منهم عقلاء لا يحملون (٢٣٥أ) قوله على أنه فرد ولا يردون نصحه بالتهمة وقال: أنتم تعلمون أنني لا أريد الخير إلا لأهل ديني وهذا السلطان في عزمه يريدكم ويرديني فإن سمعتم مني أطعتموني في أمري وأنقذتموني من أسري أما إذا خلصت وخلصت وكنت أعلوا عليكم فكيف رخصت وتكررت بينه وبينهم مراسلات وكانوا يلحون ختى علموا أنهم مغلوبون فقبلوا نصيحة الملك وراسلوا في طلب الأمان بشروط اقترحوها والعفو عن جرائم اجترحوها فإن الأمير حسام الدين ابراهيم الحسين المهراني وهو من أكابر الأمراء استشهد على عسقلان فخاف الفرنج أن تثور عليهم الأكراد لثأره فاشتطوا واشترطوا وسروا إلى ما أجيبوا إليه واعتصموا فسلموا البلد بأنفسهم وأموالهم وخرجوا منها برجالهم ونسائهم وذلك يوم السبت لانسلاخ الشهر وكانت مدة الحصار إلى أن تسلمناها أربعة عشر يوماً أبدر لنا فيها قمر الظفر والانتصار وعاد بها بدرهم إلى المحاق والمرار وما برح السلطان مقيماً بظاهر عسقلان حتى تسلم المعاقل المجاورة لها والبلاد المقاربة منها.
أما الداروم فقد حاف من بها فسلمها وكذلك غزة وظهرت بظهورها علينا عزتها وتبدل بالإسلام بعد الكفر ربها والرملة ويبنى ظل بها موقف الضلال يهدم ومربع الهدى يبني وبيت لحم ومشهد الخليل صلوات الله عليه وعليه السلام عاد إلى وطنه منهما الإسلام وأما لد فإنها أخرجت منها خصومها اللد ومعصومها في الشرك إلى التوحيد رد وتسلم كل ما كان للداوية مع غزة كبيت جبريل والنطرون وأخلى منهم تلك الحصون وكان مقدم الداوية معه وشرط أنه إذا تسلم معاقله فك عنه قيوده وسلاسله فما زال معه على الشرط والشرع المضبوط.