للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال: وفي هذه السنة نكب الصاحب مجد الدين أبو الفضل عبد الله ابن الصاحب أستاذ الدار العزيز بجزيرة جرت عليه القتل وجريمة ما أطلع عليها وما أقيل عثرتها وذلك ظهر يوم السبت رابع عشر ربيع الأول فجاء القدر من كمينه وفجأة الكدر من معنية وبينا هو في أمر قاطع وفجر ساطع وفخر صادع وشمل جامع إذا بغتة الزمان ومحنة الحدثان وعثر منه على جناية أسعت إلى دمه قدمه ودعت إلى وجود عدمه وإنما أوردت ذكر مقتله في هذا الموضع لأنه جرت العادة منا بمكاتبة من يكون أمر الديوان إليه فيما يسنح من المقصود المتوقع فلما مضى لسبيله قام في موضعه عميد الدين أبو طالب بن زادة فتولى الثاني لما بدأ به الأول الإعادة ووصل كتابه وكتب جوابه وفي بعض الكتب إليه: والبلاد والمعاقل التي فتحت هي طبرية وعكا والناصرة وصفورية ونابلس وحيفا ومعليا وفوله والوطر والشقيف.

قال: وأما الفولة فهي قلعة للداوية حصينة لما خرج سكانها لم يدخلها سكينه فإن الداوية الذين كانوا فيها قد هاجوا إلى الهيجاء وطروا في القتلى والإسراء الحماة وغيل غالت (٢٣٣ب) ليوثه عداتها الهداة وفيها ذخاير كنايسهم وأخا ير نفايسهم وسبايك نضارهم وكرايم أعاقهم ولم يبق في الحصن إلا أحداد من الغلمان وأتباع الفرسان فخافوا على النفوس وارتاعوا من البؤس ومالوا إلى ألاذعان وسلموا الموضع بالأمان وتسلمنا بتسلمها جميع الثغر وأما حيفا فإنها من عكا وقيسارية على البحر وتسلمت لسيف النصر وأما نابلس فإن أهل ضياعها ومعظم أهلها كانوا مسلمين وفي سلك الرعية مع الفرنج منتظمين وفيها أفرنج ونصارى مقيمون مدبرون وقد أقروا منذ استولوا عليها المسلمين على عوايهم في قضائهم وحكمهم ومشاهدهم ومساجدهم وهم يجبون كل عام منهم قرارا ولا يغيرون لهم شرعا ولا شعارا فلما عرفوا كسرهم وأنهم لا يرجون جبرهم وخافوا من مساكنة المسلمين وأشفقوا وأخذوا بالحزم لما فرقوا وتفرقوا وكسبهم أهل الضياع في الدور الرباع وغنموا ما وجدوه من الذخاير والمتاع وطلبها من السلطان ابن أخته الأمير حسام الدين عمر بن محمد بن لاجين وكان الأمير القوي وهو عزيز عند خاله ملى بفضله وأفضاله متقبل شيمة السلطان في بأسه ونواله متفرد من الأملاك بمحاسن خلاله فاقطعه السلطان نابلس وأعمالها ضياعها ومعاقلها وقلاعها متوجه لفتوحهم وصحب جموع جماعة من الأصحاب وسال بالجبال (وهي تمر مر السحاب) أوقعوا بضعفائهم وضايقوا الحصون على أقويائهم وطلبها من السلطا فأول ما أناخ على سبسطية وفيها مشهد زكريا عليه السلام وقد أتخذها الأقسام كنيسة منذ فارقها الإسلام وفيها أواني وآلات فضيات وذهبيات وقومتها من الرهابين فيها مقيمة ولا يؤذن في الزيارة إلا لمن معه هدية لها قيمة فدخل الموضع وأغلق بابه وأفرد عنه حجابه وأصحابه وأمر بجمع ذلك المصوغ والملوك والمسبوك والعقود والسلوك كل ما يعز وجوده في خزاين الملوك فاقتناه جميعه لنفسه خاصة وأمن أن يرى عدها خصاصة وصارت له خزانة ثقيلة وذخيرة جليلة وأبقى في الموضع من الفرش والآلات ما لا يستغني عنه المشهد ولا يحسن أن يخلوا من مثلها المسجد وفتح للمسلمين أبوابه وأظهر للمصلين محرابه ولما فرغ من شغله سار إلى نابلس عليها منيحا ولدعاء المسلمين بها مصيخا وطال حصره للفرنج بالحصن ثم استنزلهم بالأمان واستمال من سكانها من ضرب عليه الجزية بعد زمان فعادت بلدة محشوة بساكنيها كالرمان وبقيت إلى آخر عهده وعمرت بعدله وإحسانه ورفقه ورفده قال: وكانت بيني وبينه صداقة بصدق العقيد معقود ومودة أسباب النقص فيها مفقودة فنظمت هذه القصيدة قلت ومطلعها:

أستوحش القلب مذ غبتم فما أنسا ... وأظلم اليوم مذ نبتم فما شمسا

قلبي وصبري وغمضي والشباب وما ... ألفتم من نشاطي كله خلسا

ذكر فتح تبنين وصيدا وبيروت وجبيل

<<  <   >  >>