وأصبحنا ذات يوم وكانت يأتينا في الرسالة قوم بعد قوم فقيل قد أقبلت محفات فيها مخدرات خواتين أتابكيات لا عهد لشموسهن بشروق ولا لنفوسهن بخفوق، ولا لمطالعهن بهبوط ولا لمطالبهن بقنوط فخرجن يستشفعن ويستفعن فانزلن خير منزل وأوردنا من الإكرام أعزب مورد واصفا منهل. وقال السلطان: إنما جينا لتأليف كلمة الإسلام وإعادة الأمور بإزالة الخلف إلى النظام وقد قبلة شفاعتكن ورأيت في عصيان العزم طاعتكم ولكن لابد من مصلحة تتم ومصالحه نفعها يعم فأستقر الأمر على أن يكون عماد الدين صاحب سنجار أخوا صاحب الموصل وسيطا في البين وحكما فيما يعود بمصلحة الجانبين فإنه كانت شفاعته سابقه ومسألته قي ذالك صادعة صادقه فرأى بهذا الرأي قضاء الحقين ووقف السداد (٢٢٤ أ) فيه على الطريقين وتعطف تلطف لأجلهن ولإجلالهن وأتى من الكرامة والمبرة بما يليق بأمثالهن وكنا ظنن أنه لايقين بحرمة قصدهن ولا يشتغل بأمر يؤذن بما ردهن فدخلن المدينة متلومات متزممات وبلطف الله لايزات معتصمات.
[ذكر وصول عماد الدين في الوساطة وما عرض من مرض السلطان]
قال: وكان السلطان لما دخل شهر رمضان داوم قراءة القرآن وحفظه والإتقان واشتغل بالصيام والتقليل من الطعام، وظهر انزعاجه وتغير مزاجه وطال مرضه وأمتد وحال مضضه وأشتد ومبدأ ذالك أنه أصبح يوم الأربعاء ثامن رمضان محموما وقي أياما سقامه مكتوما رجاء أن يزول ولا يطول ثم سار خبره وطار شره وقدم على رد الشوافع وردع الشوارع، وسير إلى عماد الدين صاحب سنجار في إنفاذ رسوله ليوعز بكل ما يعود بسؤله فوصل وزيره الكافى شمس الدين بن الكافى وكان من قل قد سق القول في تسليم بلاد شهرزور وقلاعها وحصنها وكذالك ما وراء الرأس من البوازيخ والرستاق وتلك بلد القرابيه وبني قفجاق فدخل أبن الكافي وأن الفراش قاضي العسكر من جاننا إلى الموصل لإجراء العهد على هذا الملتزم المستقبل، ورحل السلطان قبل عيد الفطر بيوم وهو من بحر بحرانة في عوم وخيمنا على نصيبين في شوال ولم نترقب عود الرسل نجاز الأشغال ثم أستمر الصلح وصلح الأمر وخلص ما بينهم وبينه السر والخر وخطب في جميع بلاد الموصل للسلطان بعد قطع خطبه السلجوقية وفي ديار بكر أيضا والديار الارتقيه وضرب اسمه الدينار والدرهم وأنحل الإشكال وانكشف المبهم. ولما تسلمنا البلاد منهم نفذ السلطان إلى شهرزور مملوكه مجاهد الدين اياز شريك فتمنى بها وتملك وكان التركمان الأيوانية مستولية فشتت شملها وفتك وند للنظر في تلك الأعمال القاضي شمس الدين بن الفراش فمضى وحل وعقد وأصدر وأورد، وأقطع لبعض خواصه المماليك البوازيخ وسير إلى البلاد نوابه ورتب فيها أصحابه، ورتب ضيعة بالبوازيج تعرف بباقلا على ورثة شيخ الشيوخ ببغداد، وأقام السلطان على نصيبين أياما قلايل ثم رحل مستقلا في منازل ومراحل حتى القينا بظاهر حران عصا النوى والقلوب لمرض السلطان متخاذلة القوى وأجتمع عندنا من البلاد الأطباء وللمرض ضرم يفلح وللسقم قسم لا يبرح والأمل مرتعب والجدل محتجب والسماح يقول هذا أوان كسوف سمائي ونضوب مائي والدين يندب والملك يصخب والأيدي إلى الله مرفوعة والنيات بالإخلاص مشفوعة والأنفس متوجعة متولجه والأنفس بالدعاء مبتهلة والرجاء تحت الخوف والبلاء فوق الوصف وفي الغيب أسرار وللقمر أدار تارة وسرار الدموع منا غزار والضلوع حرار وما كنا نعلم أن النعمة في سر تلك البلية وأن الصحة ظاهرة في تلك السريرة الخفية وان لهذه الترحه فرحة وأن لهذه الغمة فرجه وأن لهذه الليلة دلجه وأن العافية عافيه وأنت كفاية الله كافيه وسيأتي ما من الله تعالى به من الرجاء في الشفاء بعد الإشقاء.