للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال: ووصل إلينا الخبر بأن رسل دار الخلافة المعظمة واصلون، وفي أمر الموصل شافعون وهم شيخ الشيوخ وشهاب الدين بشير ومعهما من خواص الديوان العزيز جمع كثير فتلقاهم السلطان بالصدر الرحب والبشر العذب والخطاب المتوجه بصرف وجه الخطب وكنت إلى جنب السلطان له مسايرا وفي الهام ناظرا ومناظرا والموكب مشهود والطلع مسعود وشاع أن شيخ الشيوخ قد وصل في الصلح وأغلق باب الفتح وإطفاء الوقود وإخفاء الحقود. ووصل مظفر الدين قزل ارسلان حسن الجاندار واجتمعت رسل الآفاق داعين إلى الوفاق فقال الذين لاذوابنا من أهل البلاد من الأجناد الأتراك والأكراد هؤلاء غدا يصطلحون ونحن نحظى بالإخفاق وحرمان الأرزاق ونبوء (بالشقاق والشقاء) وأخذوا أمان البلد ودخلوا واعتذروا لأننا نشبنا ووافقهم جماعة من أصحابنا طمعوا في الخلع وهذه من أيسر جنايات الطمع ونحن نصرع باب المصلحة والإستواء على المكافحة وترك قبول الشفاعة وإفراغ المجهول في شغل الحصر وبذل الإستطاعة في كل يوم نناوب القتال ونعاقب النزال، والملك المظفر تقي الدين يحمل من جانبه ويبلي ويجري في مضمار النضال وهو الساق المجلى وتاج الملوك أخو السلطان يبارز ويحاجز وجمرات اللظى تضطرم وغمرات الوغى تقتحم وشيخ الشيوخ ينهى وينكر ويقول أنا جئت في التوسط والمنع من التورط وهذا الفعل الممقوت إذ غبت لا يفوت فإن كان لي قبول فاصبروا حتى أرسل من اليوم إلى القوم أو أتكفل في متاع هذه المتاعد برفع الثوم فقلنا له:

السمع والطاعة والحب والكرامة وما أحسن مرادك إذ أردت السلم والسلامة. وتحولنا إلى جانب لا يبعد على الرسل طريقه وارسل شيخ الشيوخ إليهم صاحبه وذكر مطالبه فشرعوا يندبون في كل يوم رسلهم ويملأون بالمراسلات الخادعة سبلهم فخرج أول يوم جمال الدين محاسن مع أخ الشريف النقيب واستفتحا فيما عراهم بالتقريع والتأنيب وكان حضورهم في خيمة شيخ الشيوخ فأنفذ إلى السلطان من عرفه وصولهم واستدعى من ثقاته الذين يسمعون فصولهم فتقدم إلى لأجل الفاضل وغلى الفقيه ضياء الدين عيسى الهكاري بأن نحضره ما يقولون ونحصي فإذهبوا ذلك اليوم بالشكاية ولم يواصلوا مبدأها إلى الغاية ثم قالوا ندخل غدا بالحديث المين والأثر المعين وجاءوا ضحوة الغد وذكروا مطالب متكثرة ومآرب متعذرة واقترحوا إعادة البلاد المأخوذة وقصدوا بها تقليل الجدود المشحوذة وأن نعود إلى الفرات ثم نتكلم بما يعود بجمع الشتات ومكثنا على هذا السننقريبا من شهر ولا ننتهي إلى أمر مستقر وشيخ الشيوخ ينسبنا إلى أن لا نؤثر الفضل فدخلنا في كل ما أراده وانفصل الأمر على أنهم يريدون إلينا حلب ونرد على صاحب الموصل كل ما طلب وكان قد عرف الأجل الفاضل فحوى مقالهم ودعوى (٢٠٩أ) مجالهم فانقطع بعد أيام عن الحضور وكنت أحضر والفقيه عيسى للسماع والإنهاء والتحمل والأداء ثم انقطع الفقيه عنهم وتأنف منهم واستمر ترددي ولم أجذب عن المهم المقاتل والمخاتل ويظهرون الوفاق ويذهبون في الشر إلى الخلاف حتى وردهم صفو وأن وعدهم من الخلاف خلو فمضى إليهم شيخ الشيوخ في أبرام العقد المنسوخ فظن أن وردهم صفو وأن وعدهم من الخلاف خلو فمضى إليهم ورآهم متفرقين في طرف التلون والتلم غير مجتمعين على سلوك النهج الأقوم وأنكروا كل ما ذكره رسولهم وأن سوى ما شاء سؤلهم وأن صلاح الدين أن أراد وفاقا رد بلادنا ورحل عنا ونحن نخلي بينه وبين حلب ولا يطلب أيضا اعادنا عليها فإن لعماد الدين زنكي أخينا معنا يمينا فكيف يجد منا عليه معينا فإن رضيتم بما سألنا وإلا فما سمع الناس وما قلنا.

وكان المقرر مع الرسل أنهم يسلمون إلينا حلب ويستعيدون منا البلاد ويحضرون معنا الجهاد ثم ندموا على ما قدموا من التقرير وأخذوا في غيره من التدبير فانصرف مغضبا وخرج إلى بغداد متوجها وعلى نكر مكهم متنبها فخلوا إليه وتضرعوا وتشفعوا وقالوا: تعود وتعيد ما سمعته وتحلي من المعنى مااستملته فعليك ترد لطف ما صعب إلى المنهج الأسهل ويأتي العل بعد النهل فرجع بغير مارجا واستكشف عندهم حجاب الحجى فلما اجتمع بالسلطان استعفى من الكلام واستوفى حديث ما سمعه وأبصره من الأقسام فقال له: هذه أشهر شراف وقد عزمنا أن نرحل ونهب لوصولك الموصل وكان نزولنا عليها في رجب ودخل شعبان وامتد الزمان.

ذكر الرحيل إلى سنجار وفتحها

<<  <   >  >>