كالمدى مدرع بنظر عيناه من وراه قيتر، أو كأنما النسيم عض وجه الغدي، لسانه كذبالة الشمعة عند النضنضة وشدقاه كفكي عجوز عند المضمضة تكش كشيش البكر، وينش نشيش القدر، أهابه لاذ ونابه فولاز، وعطفه مايل، ووشاحه حايل ومنه خايل سمه قاتل فهذه حالة هذه الحلة في همامها وهمومها وسمومها، وهواؤها وبي وبيل، كل صحيح غير النسيم عليل بها نفقت سوق الأطباء وخفقت سوق الأحباء وضعفت جسام الأجسام وتضاعفت أقسام الأقسام.
[ذكر مكرمة للملك عز الدين فرخشاه]
قال: ولما رحل السلطان من الفوار إلى رأس الماء والأرض طيبة الهواء أرجة الأرجاء والخيم قد نزلت بوادرها وانتظرت أوايلها ليصل بها أواخرها وأنا ساير في موكبي صاير إلى مصري، وقد نزل الملك معز الدين في مقدمة السراديق السلطاني على مرج بهيج، وروض أريج وعين تعرف بأم الدنانير وقد بسط عليها قدام مضاربه من البسط الموشاه الموشعة التخيير فلما أبصرني قال: هذا العماد ساير وهو علينا عابر فنادى بي إلى ناديه ووردت حلول واديه فوثب لي مكرما ورحب بي منعما وأجلسني إلى (٢٠٧ب) جانبه معظما، وقد أحضر عنده بطيخ أعدت بدوره أهله، وأقامت صدوره على طلاوة ظاهرة ومؤنسه فقلت له: هل عرف المولى أن هذه العين تعرف بأم الدنانير ولا نظير لنضرة رياض دولتك في هذه الروض النضير فاعتقده مني بطلب الدنانير تعريضا وأخفاه في نفسه الكريمة، ثم تعجل رحيلنا صوب الشرق، ولما خيمنا على بعلبك عابرين خرج إلينا صارم الدين خطلخ وإليها وأخرج إلي مائة دينار مصرية في صرة وواصل أيدي بره بميرة من حنطة ودقيق وشعير ومن الأغنام والطيور كل كثير، وناولني كتابا من مخدومه معز الدين مضمونه تبريح لوايح الأشواق والتصريح بلواذع الفراق أنني ما نسيت عين الدنانير فسيرتها وعنيت المحمدة وتخيرتها فكتبت في جوابه ما أكرم من أتيت في يدي وأقر ما قر من عان أبي الطبيب ولله در الجود البكر المولدي ولا سيما وبكر حمدى واسطا فألبثت وأطلت الرسالة بذكره وخلدت ذكرها كتخليد ذكره ثم تعجبت من تيقظه للمكارم وتحفظه من المكاره وما بينه للكرم غير الكريم التائه وجمعت في مديحه نظما ونثرا بين المحكم والمتشابه.
[ذكر مكرمة مشتركة]
قال رحمه الله: كان السلطان بمصر زوج إحدى خطاياه أمهات أولاده لأمير كبير من أكبر أمرائه، وكانت عند السلطان في موهبة متسعة ومرتبة مرتفعة، وكانت لها في الخزانة رواتب ممضاة، ووظايف مجراة ولها نفقات وميرات ورسوم وكسوات فلما وصلنا إلى الشام قال السلطان: في بعض الأيام أكتب إلى مصر بقطع ما لفلانة من صلة ورواتب متصلة فقلت له ما يستحسن ما نكارى ووافق إيثاره إيثاري وشكرني على التنبيه شكر النبيه للنبيه وبقيت تلك النعمة مدة عمره عليها داره وتلك المسيرة بها بارة هذا على أنه لم يكن لي بها ولا بزوجها معرفة إلى حسن المناب عنها داعية ولم تعها مني في القضية إذن واعية، ولا ذكرت هذا الحسان ولا عقدت به الإمتنان وإنما ذكرته الآن من مكارم السلطانية ومنايحه السنية.
[ذكر العزم على قصد حلب وعبور الفرات]
قال: ولما وصل إلى الشام أظهر إلى قصد حلب صدق الاعتزام وأنه لا بد من استضافتها للأمن من آفتها، ولما عاد من غزوة طبرية وبيسان توجه على سمت بعلبك وخيم بالبقاع. وكان قد وعد أسطول مصر أن يتجهز إلى بعض بلاد الساحل ليوافقه عليه، ويسير بعساكره إليه فجاءه الخبر بأنه وصل إلى ساحل بيروت فبادره السلطان بعسكره جريدة فلما وصل رأى أن أمر بيوت يطول، واكن قد سبى الاسطول منها وسلب، وظفر من غنيمتها بما طلب، فأعار السلطان في تلك البلاد وأتى في تخريبها وأحرقها بالمراد ورجع وأعاد الملك معز الدين إلى دمشق ليقوم في سد الثغور وتسديد الأمور بالنيابة.