قال رحمه الله: ولما ألقينا بدمشق عصا النوى عاد غلينا الغزاة الهوى وقال السلطان: لا راحة إلا في التعب ولا دأب لنا غير الدأب، وكيف لا نغتنم طيب الزمان وفرصة الأمكان، والعساكر بحمد الله ماضية العزايم مضية الصرايم، وبرز بجموع العساكر والبحور الزواخر وأغار على طبرية وبيسان وفتك وهتك وكسر وأسر وسل السيوف وقتل الألوف وأذل الأنوف، وكانت وقعة شديدة ونوبة للهداة مبدية وللعداة مبيدة. واستشهد من المؤمنين رجال إلى حمى الحمام عجال وعاد السلطان ولحزبنا القاهر قبول وإقبال ولحرب الكفر الباير أوجال وأوجاع وكانت عودته من غزوة طبرية رابع شهر ربيع الأول، وكان مخيم السلطان في هذا الفوار وعاد إليه في الغزو والفوز، وطال مقامنا به وبلينا بأحبتنا بمكروه، ولم نقدر على اجتيابه فإن ماءه ثقيل وهواءه وبي وبيل وجوه عاقد وجواه واقد وعينه أجون وما لسكانه سكون فالحيات أتراب أترابه والضفادع جازات ضيائه والأساور أساور أحجاره والأفاعي مشاجرات أشجاره، فخفت على مزاجي من انحافه، وأشفقت على نشاطي من انصرافه وانشأت رسالة وعرضها على الأجل الفاضل في تلك المنازل وسميتها برسالة اليات من الرسايل وهي التي من ألفاظها: المملوك في منزلة عيونها سخينة وقطافها ثخية وفوارها فوار وانجادها أغوار وسكانها غير ساكن، وقاطنها غير آمن وجدا جداولها علاقم، وخبا جنادلها أراقم، وحياتها موحيات ونافثاتها نافذات، تسعى ملتويات وتلتوي ساعيات كأنما ترك الترك سهامها والقسى، وألقت السحرة حبالها والعصى أو نبذت السرايا بالعراء السراء وقيدت الغزاة بأذاهم (٢٠٧أ) أساورها الإسراء، ساعيات بالشر كالأقلام السعايات، تاليات بألسنتها آيات النكايات، كأنما صاغت من سنابلها الخلاخل أو أراغت من لوازعها الغوايل أو رمت للمساوي مساويكها للنساك، ووضعت للعصيان غضبها الفتاك أو حذفت للقارع وراء الغيض الفرسان وناورت في المأزق على إيمان الشجعان المران، ثقال الرؤؤس فإنها قصب الغروس، وهي حطب الخطب وخشب الأشب وخراعات المحن وقذافات الأحن وحذفات السفن وجاريات القدر وحادثات العبر، من طول كحرب الزنج وقصار كبيادق الشطرزج، وأوساط كأوساط العذاب، سراع كأنامل الحساب، وخاطفات كبارقات السحاب، وممارقات النشاب، مشجرات ف الأشجار كأنها أغصانها مستكنات في الأحجار، كأنها خباتها نواظر بعيون كالجمر أو كالشرار، كوامن تحت الصخور كأنها أسرار قلوب الأشرار أن صعدت في الصعاد فالاسنة، وإن أشفقت في أجهاد الجياد فالاعنة وإن تعلقت بقواميها فأشباه الأشباح، أو قيود القيود كالرياح، وإن غلتفت على أذيابها فكالأمطار، وإن نشبت في سبورها فكالأسبار من خضر كضغابيس الخضر وهم كفرايس الحضرة، تخفف كصوائح الأصداع أو كنافخ الصواغ أو كباشق الأتراك أو كألوية الأفلاك وبتر كأيدي السارقين، وسود كأعمال المجرمين، قوابل كأطماع الغيرين، فواتك كأسياف الغيرين مخذولات كلأزمة في الهرين بهامات كالكرين وقامات كاتساع الوضين، تنساب كجداول البساتين وتنثني كأغداق العراجين وتعدم في دار الديموم كأنما تسبح وتعوم كالاساطين كان البطاح بها أجم وأوهاد بها أكم والرمال منها أعلام، وكأنها مكاحل كحالنا الشريف وانبساطه، وصفارته أشباه العهود وأهب الفهود أو حنك الشهود أو سك اليهود أو نكل ذوات النهود أو أذناب النمور وأعضاب الخيل وأنياب الفيول، أو طوامير الكتاب أو مسامير الأبواب من كل غليظة متعطفة على دقيقة منوقة، رشيقة كالخوص وأسهم الوتر على الحقيقة ومن كل رشقاء إذا استلخت من جلدها، ألفت كم درع وأبقت حديد ذرع وسوداء كصحيفة المجرم كصفحة المتلوم، قصيرة مقصرة الأعمار، دقيقة جليلة الأخطار، رشيقة كسهم الراشق، نحيلة كجسم العاشق خفيفة كخفاف الباشق ومن كل صل شجاع ومن كل أسود سالح وأبتر نافح وأشم شامخ وأصم باذخ وأرقط كالواشي المنمنم كأنه رشا المائح أو قصبة الماسح أو صعدة الرامح، أو كأنه سجل الحاصد أو مبضع القاصد، أو كأنه مزمار الزاط أو زنار القبط إن استدارت فقره التارس، وإن استقامت فخشبة الحارس ومن كل أقران كان في رأسه سنابق سنلبين أو في حجاجه سراجين، أسود تفرق بين المرء وحياته فهو غراب البين، حنش في أنفه خنس في خيشومه فطس في عنقه قعس، ناظره نار أو دينار أن قرب فثوار، وإن تلوى قصم سوار هامته مستديرة كالرحى وأنيابه عضل