الحمام عند علمه بخروجهم لنخرج إلى لقاءهم فأمرناه ان يجفل البلد وان ينور الآكام وينذر وانه لا يلقاهم بل يتوقاهم ولا يخاطر بالجماعة الذين معه بل يحمى بهم ويتحاماهم وفي كل يوم يرجف برجفتهم وهم متمادون متباطئون وعلى مجافلة البلد متواطئون فلم يشعر مقدموا الطلايع ذلك اليوم إلا وقد خالطوا القوم فتحيزوا عنهم إلى الفئة وهم دون المائة فاخرج ولدنا الرماة (١٩٧ أ) الكماة وقدمهم إلى العداة العتاة ليشغلوهم ساعة ويحولوا بينهم وبين طعان الحرب الجافلة، ولم يكن في زعم العزم إنهم يستدرون أخلاف النصرة الحافلة واستمرت المراماة عند تل الجارة وطلب أصحابنا طلب الملك فما تركه مماليكنا الترك حتى ولو طرحوا وجرحوا فرسانه فحمل طلب هنفرى ليحميه وأبي الله انه كما رمى الملك إلا ان يرميه وقتل دونهما برهان صاحب الناصرة ونجا الملك يجر معه الذقن وقد تجرع كاس الشجب والشجن، وحمل هنفرى جريحا وأودع بعد يومين ضريحا وما زالت الرماة يرمونهم ويرامون ويدانون حتى نقصت الكماين وانفضت الضغاين وكانت نصرة اثيلة ونوبة أثيرة، وثورة من أعداء الله في تلك الفورة مستثيرة وحالة صدقت قوله تعالى:(كم من فئة قليلة غلبن فئة كثيرة) وتم هذا الغزو ولم يتم مدد العسكر الغربي ورجع الفرنج من الخزي بذلك الزى وآذنتنا بطاقة الطير في دمشق ذلك اليوم بكرة بكرتهم وبادرنا الخروج لدفع مضرتهم وكشف معرنهم فما وصلنا إلى الكسوة إلا ورعوس رعوسهم متوافية والبشاير دانية وألطاف الله كافية والشغف بحمل السعف إلينا زايد والواحد لثلاثة وأربعة من الاساري قايد.
[ذكر مسير شمس الدولة إلى مصر]
قال: وكان الملك المعظم فخر الدين توارنشاه بن أيوب قد ملك اليمين فلما ملك السلطان دمشق بعد نور الدين رحمه الله كتب إليه في اليمين بالتشوق والاستيحاش بالوحدة فجاء سنة إحدى وسبعين فسر بقدومه. ولما عزم السلطان المسير إلى مصر في سنة اثنتين وسبعين لتجديد العهد بملكها عول على أخيه هذا في السلطنة بالشام وفوض الأمر وولاه تولية مطلقة وكان بحرا في الجود مواجا يغني بواصله من الوفود بعد الأفواج أفواجا وراسله الملوك وتواصل إليه من الإطراف والأوساط السلوك. وكان الملك الصالح إسمعيل بن نور الدين رحمه الله مستقرا في حلب فيمن بقي معه من مماليك أبيه فجرى معه شمس الدولة على الوفاء والوفاق وسبيل الإشفاق. وأقام السلطان بمصر إلى يوم عيد الفطر من سنة ثلاث وسبعين ثم رحل عايدا إلى الشام ولما عاد إلى دمشق جرى على عادة سلطانه وأمره ونهيه وانقطع شمس الدولة إلى مواصلة لذاته وانتهت إحكام سلطانه فاقترح على أخيه تسليم بعلبك إليه والأنعام بها عليه فتسلمها له من شمس الدين بن المقدم على ما سبق فانتقل إليها يتصرف فيها ولما عن المحل رأى السلطان أن يستدعي من عسكر مصر مقدمين يتقدمون في عدة منتخبة ورأى ورأى أن الشام لا تحمل إثقال العساكر الكثيفة فرغب أخاه شمس الدولة بما زاده من الديار المصرية في قصدها وانه يجدد بسعده سعدها وكان رحيله من دمشق بعد صلاة العصر في قصدها وانه يحدد يوم الجمعة لست بقين من ذي القعدة وصحبة كثير من التجار والرجال والنساء والأطفال.
قال: وكتبت عن السلطان كتابا منه قد بان له وجه الصواب في استدعاء عدة متوسطة من إنجاد العسكر المصري الإنجاب بحيث يخف وطؤها وتثقل في العدو نكاؤها فتكتب إلى أخينا الملك العادل بمصر ان ينتخب لنا من الأقوياء بالخيل والعدة ألفا وخمسمائة فارس واشرنا على الملك العظيم بالتوجه إلى مصر مستصحبا معه من طال بالشام بيكارة وبان انفاضه واقتاده ورأينا المصلحة في مسيرة لمنافع كثيرة وفوا يد أثيرة منها التخفيف عن الشام في مثل هذا العام وذلك بعد ان رتب في بعلبك نوابه واقطعها أصحابه. ومنها أن في وصوله إلى مصر وقد خرج منها عسكر اسما كبيرا وصيتا عظميا فان الإرجاف شايع بأسطول صقلية المخذول وخروجه ووصول أخينا يكسر من عزم العدو ويحطه من ذروة العتو. ومنها انه إذا أقام بالقاهرة تصرف أخونا الملك العادل في البلاد بعسكره وعذب صفو مقصده في مورده ومصدره.