قال (١٨٠ ب) ولم يبق في ذلك الصوب إلا حصن بعرين مع الأمير فخر الدين مسعود الزعفراني، ولما وصل السلطان إلى الشام لجأ إلى ظل الإكرام، ولازمه ظنا منه أنه يقدمه على العساكر ويجريه على عادته في العهد النورى سقاه الله فإن نور الدين رحمه الله قدمه على العساكر في آخر عمره، وأقطعه الرها وحماه وكفر طاب وحمص وسلمية وبعرين فعرف أنه لايتم له هذا المراد ولا يصح عليه الاعتماد فأصبح يوما مفارقا ولحجاب الحجى خارقا، فنزل السلطان على بعرين فأخذها سلما في العشر الآخر من شوال وانتظمت تلك الفتوح على تواتر ونوال.
قال: واذكر إنا عبرنا نهر العاصي عايدين وقد انكسفت الشمس وادلهم النهار وغلب القلوب الاستشعار، وخفيت الرسوم، وظهرت النجوم، وجينا إلى حمص ثم إلى بعلبك ثم إلى البقاع بعزم العودة إلى دمشق، وأقطع حماه خاله وصهره شهاب الدين محمودا، وأنعم بحمص على ابن عمه ناصر الدين مجمد بن شيركوه ووصلنا إلى دمشق في هذا الشهر برايات الفتح والنصر.
[ذكر ما أسفر عنه حالي ومال آمالي]
قال: قد قرر حسادي عند السلطان، وقالوا: شغله الكتابة وهي منصب الأجل الفاضل، وهو يستنيب فيه من يراه من الأفاضل، وهذا (تصرفه برفد جزيل) ووجه جميل، والسلطان مع رغبته في متوقف وإلى ظهور وجه النجاح في أمري متشوف وكنت قد آنست مدة مقامي في المعسكر بالأمير نجم الدين بن مصال وهو ذو فضل وأفضال وله يد عند السلطان في النوب التي قصدوا فيها مصر لا سيما عند كونه محصورا بالإسكندرية، فلما ملك أحبه وأختار قربه فلزمت له التردد إليه، وجعلته الوسيط بيني وبين الأجل الفاضل والخدمة من أنجح الوسايل ووقفت خاطري على تقاضيه نظما ونثرا فدخل الأجل الفاضل إلى السلطان وعرفه أنه في راغب وأنه في ترتيب حاجب فقال له أنت كاتبي ومدبر ملكي وصاحبي ولو رتبت كاتبا لظن أن في الحال نقصا. فقال أنا لا يمكنني أن الملازمة الدايمه في كل سفره وغدا تكاتبك ملوك الأعاجم ولا يستغني في ذلك عن عقد الملطفات وحل التراجم، وأنا ما أحضر في كل أوان والدولة مفتقرة إلى كافل بها غير متوان والعباد يفي في الوفاء باختراع كل بكر اختراع كل عوان، ولك أختاره وقد عرف في النوبة ألنوريه مقداره، والجواد عينه قراره، فوافق قوله مراد السلطان وعرف أن الأجل الفاضل أجل فضلى وحلى عطلى وأخذ خط السلطان بما قرر لي من شغلي فاعتل كبت من حسد وأنحل عقد ما فسد، وراح من الفضل ما كسد، وعاود الروح منه الجسد.
[ودخلت سنة إحدى وسبعين]
والسلطان في مستهل المحرم في مرج الصفر من دمشق بالمخيم والإسلام وافي المغنم بادي المغرم والعساكر على حظوظها من العز وخاصته والسلطان حاف ولسر عزمه باث فبينا نحن في تصميم عزم وتتميم حزم إذا وصل رسل الفرنج وقد جنحوا للسلم وغرضوا بسوم الهدنة وضرعوا في تقلد المنة وفيهم ماجد غلام هنفري وهو يثق بقولة السلطان فما زال يرددهم حتى دخلوا تحت كل شرط وقربوا من المراد كل ما شحط وتقبلوا بكل ما فيه للإسلام غبطه، فترجمت الفايدة ووضحت في المصالحة المصلحة الزايدة. ولما تمت الهدنة أزن السلطان لعسكر مصر في الانصراف وأستجدد العدد منها والاستئناف والإقامة ريثما يستوعب المغل ويخرج في المهام الدخل وسار الأجل الفاضل ليزول به هناك الشواغل ولما تم مع الحلبيين الصلح لم يقطع المواصلة مواصلتهم بالعتب والرسل والكتب فحملوهم بالبعث بعد البعث على النقب والنكث وحالفوهم في الباطن وهم مستمرون معنا على الوفاق الظاهر، وأتفق أن المواصلة نفذوا إلى الحلبيين من أخذ عليهم المواثيق وتوجه ذلك الرسول منهم إلى دمشق ليأخذ للمواصلة من السلطان عهده ويكشف ما عنده فلما خلا به لخلابه طالبه بنسخة الرأي المقتدح والشرط المقترح فغلط وأخرج من كمه نسخة يمين الحلبيين لهم ناولها إياه فتأملها وأخفى السر وما أبداه وردها إليه وقال لعلها قد تبدلت وما أعلمه بالقضية التي عليها اشتملت فعلم الرسول انه غلط ولم يمكنه تلافي مافرط وقال السلطان: كيف حال الحلبيين للمواصلة ومن شرط إيمانهم أنهم لا يعتمدون أمرا إلا بمراجعتهم لنا واستئذانهم، وعرف من ذلك اليوم أن العهد منقوض والوفاء مرفوض والغدر عندهم مفروض.