من كتاب فاضلي إلى الديوان العزيز: أصدر الخادم هذه الخدمة من الكرك يسر الله فتحه وعجل فدحه وتوجه إليه عقب منصرفه من بلاد الساحل وبعد قضاء مفترضه وأعرض عنه أولاً وهو قصده أعراض الرامي عن مراده وغرضه فأنه لجى في الحناجر وقذى، ورصد الطرقات المسلوكة وصير في السبل المشكوكة وقد أخذ من الآمال محققها وقعد بأرصاد العزايم وطرقها وصار ذنباً للدهر في ذلك الفج وعذر التارك فريضة الله من الحج وجلس من هام الاسلام بمكان عمامته وختم على أنفاس الحجاز فما يدع نفساً يصعد من تهامته وخف بهذه القطيعة مدينة قد عقل الجبل حبوتها وأزلق الغراب أن يطأ ذروتها وعصم سوار الوادي القوي بعصمها وحمت عزة الجبل المطل أدهمها والخيل تصعد منه أنجماً في فلك بين طالع طالعها وغارب في واديه لغاربها وجناً المنجنيق بحاكمها وقامت كف كفنه تزاحمها ولسان حبله للنضض يخاصمها. قال: واستمر مقامنا واستحر غرامنا وقد آن أن يفتح الفتح المرتجى بابه المريج ويحد الحد المبتغى المنهج البهيج وما في الفرنج من أهل الحصن من رأى له مخرجاً وفرجاً وتطايرت كتبهم إلي من ورائهم بالاستصراخ واستأيس روع الكفر من الأفراخ.
[ذكر القفول من الشام واجتماع الفرنج]
في الموضع المعروف بالواله قال: وصل الخبر ونحن على حصار الكرك وقد ضايقناها أشد مضايقة وعالقناها أحد معالقه بأن الفرنج قد أقدموا مجتمعين ولنداء المحصورين مستمعين وقد جاءوا مدججين وفي بحر الموت ملججين فلما سمعنا بجمهم طمعنا في وقعهم وقلنا متى رقمنا القوم وعاودنا السوم في مجمعهم وربضنا للكريهة كارهون، وكانت مسالك الدخول إليهم صعبة وعرة وطرق التطرف نحوهم متعمقة متقعرة فقلنا نحصرهم ونصبر عليهم ونصابرهم حتى يخرجوا فيخرجوا إلى مفازة البلقاء فيفوزونا للقاء وأطاف العسكر بهم أياماً فلم يطق أقداماً فرحل عنهم لخناقهم منفساً فبقى الأمير عز الدين جاولي هناك مقيماً للاطلاع على أحوالهم مستديماً حتى إذا عرف بحركتهم للخروج وأعلمنا بحالهم وأقدمنا على قتالهم فأصبح وربعهم خال ورسهم بال وأنهم لم ينالوا بركوب الخطر في طريق لم يخطر ببال فاتخذوا الليل حملاً ورجعوا القهقرى وسلكوا في المضايق سبلاً وفروا من الشرك وكروا إلى الكرك فأسفنا على فوت الفرص وإفلات الطاير من القفص، واجتمعت العساكر في عماق بالأثقال وركزنا زرق الأسنة الزرقاء وقربنا بلقيا الخير قرى البلقاء وعدنا بالسلامة نذكر سلامة الأعداء.