للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال: وكان السلطان لملازمه أخيه العادل له ما قد مال إلى رأيه وغنى بغنائه ووثق بنفاذه في الأمور ومضائه وهو يشير عليه بما يتمكن في نفسه ويقترن بأنسه ويتصور في حدسه. وكان الملك الأفضل نور الدين علي بمصر وهو ولده الأكبر قد بدأ يظهر وقد مالت إليه بمصر جماعة وله منهم طاعة وربما نقم تقي الدين النائب هناك من واحد أمراً فوقعت فيه منه شفاعةً فكتب يشكو من اختلال أمره وأنه لا يسعه خلاف من استبد بحكمه ولا يمكنه أيضاً ما يقع من المصلحة برغمه في عزمه. وكان في نفس السلطان أن ينقل ولده الملك العزيز عثمان إلى مصر ليكون عزيزها وليحرز ملكها ويحوزها وهو مفكر في وجه تقريره وطريق تدبيره حتى بدا له نقل الأفضل بخطه بكل ما يستميله إلى بلاد الشام فإذا وصل نظر حينئذ في إتمام ما يؤثره من المرام فكتب من الأفضل بخطه يستميله٦ ويضمر بالنجح تأميله ويذكر له فرط اشتياقه وأنه لا افراق من ألم فراقه فليصل بجميع أهله وجماعته ووالدته وحشمه وأصحابه وسحره بمعاني الترغيب كتابه فلما قرأ كتاب والده وثق بنجاح مقاصده وأيقن بنجاز مواعده فودع مصر وداع القالي وأزمع عنها ازماع السالي واعتمد في الرحيل على أمر الله تعالى وسار بالهمم العوالي والأحوال الحوالي وجاء البشير بوصوله يوم الاثنين الثالث والعشرين من جمادى الأولى فأمرنا السلطان بتلقيه في خواصه وحشمة وحواشيه فركبنا سحرة هذا اليوم المبارك وخرج معنا الأمراء والولاة والقضاة وكان العوام والخواص، ودخل في زي موكب السلطان وجاء به وأنزله في القلعة في دار رضوانة ومكن مكانه وكتب إلى تقي الدين أنه قد ازلجت علته وشفيت في الاستبداد بمصر غلته فابتهج تقي الدين بتفرده وانتهج سر توحده ولم يدر أن الوهن بطرق إلى وثوقه أن الكساد يسوقه إلى سوقه وإن كان في ذمة ولد السلطان وعصمته وأن تمام حرمته بحرمته فلو استمسك به واعتصم بسببه وقال: لا ولاية لي في بلدك إلا بولاء ولدك وأنني في التربية كفيلة وفي التولية وكيله لصعب تحويله وما أمكن تبديله لكن قضاء الله ماض وقدره قاض.

[ذكر تسليم حلب إلى الظاهر]

قال: ولما دخلنا دمشق كان بها من أولاد السلطان غياث الدين غازي فزار عمه العادل وهو صهره وقد اشتد بمظاهرته ظهره فقال له قد نزلت عن حلب لك وخليت بها عطلك وأنا اقنع من أخي بإقطاع أين كان والزم الخدمة ولا أفارق السلطان وأطلبها من أبيك أن كانت ترضيك وجاء إلى السلطان فقال: هذه حلب مع رغبتي فيها أرى أن أحد أولادك بها أحق وملكها به أليق وولدنا الملك الظاهر أحب أنني بها أوثره وملك الدنيا فملك حلب له لا استكثره وأنا مع ملازمتي لخدمتك ومساهمتي في نعمتك لا يعوزني بلد وقال السلطان: مالنا الآن لها عوض ولا لنا فيما ذكرته غرض المهم الآن تدبير أمر ولدي العزيز فان مصر لا بد أن يكون لي بها ولد اعتمد عليه واسند ملكها إليه والصواب خروجنا إلى البلقاء ونخيم على الزرقاء ونرتب معه من يمضي إلى مصر من الأمراء. فرحنا ومعنا الملك العادل والعزيز والظاهر والأمراء والخواص وسرنا حتى خيمنا على الزرقاء وأرعبنا بقربنا مكن الثغور قلوب الأعداء (٢٢٧ب) وكان مضى أن الملك العادل قد زهد في حلب وطلبها الملك الظاهر والتمس عوضها بلاداً عينها ونواحي بمصر بينها وكان قد مال الملك العزيز إليه لإشفاقه عليه فسأل إياه أن يسير معه الملك العادل فانه نعم الكافي الكافل وحلف انه عن عمه غير عادل ومازالت الرسالات تترد والاقتراحات تتحدد حتى أعطاه السلطان بمصر البلاد المعروفة بالشرقية واعتمد عليه في ساير المماليك المصرية وسمع تقى الدين في مصر هذا الخبر فنبا ونفر وإذا تولى ابو بكر فلا عمر فعبر إلى الجيزة مظهراً انه يمضي إلى بلاد المغرب ليملكها وكتب إلى السلطان أن لا يمنعه من سلوك مسلكها وسمت همته إلى مملكة جديدة وأقاليم ذات ظلال مديدة وقد كان أحد مماليكه المعروف بقراقوش قد جمع من قبل الجيوش وسار إلى بلاد برقه وهدته الأمنية إلى النفايس في بلاد نفوسة ف فإدركها وتجاوز إلى أفريقية وهو يكتب إلى تقي الدين مالكه برغبته في تلك المملكة ويقول أن البلاد سايبه وعرايسها لكفوها منها خاطبة فلما تجدد ما تجدد عبر تقي الدين بعسكره وجنده ومالت إليه عساكر مصر لبذوله ومخالفة عدوله وقدم مملوكه يوازبه ليكون في المقدمة.

<<  <   >  >>