قال: لما ضعف الكفر بالنوب التي نابته بلا بأس الإسلامي قوي العزم السلطاني في قصد البرج وسير إلى التركمان وإلى البلاد لجمع الراجل فأمر بإعداد الدقيق وتكثيره للتر كمان فخرجنا في جيش فضل بالقضاء ختام قتامه وورد على الأصباح بإظلامه ودارت بفوز القداح أقداحه ولاحت غرره وأوضاحه وحملت أآلات وكملت الحالات ووصلنا إلى مخاضة بيت الأحزان يوم السبت والحصن مبنى دونها من الغرب فخيمنا منها بالقرب ورفعنا على تلك الأكام آكاما من الخيم ورمينا من الحمايم والعمايم مسامع الآفاق بالصمم وقلنا حصن ومكان مكين ولابد من نظم ستار لنصب المنجنيقات وجمع الأخشاب ولآلات فركب السلطان بكرة الأحد إلى ضياع صفد وكانت قلعة ضفد يومئذ للداوية وهي عش (١٩٩أ) البلية وأمر بقطع كرومها وحمل زرجونها وأخشابها واستكملت المنجنيقات كل ما يتم به أسباب أسبابها وعاد إلى المخيم بعد الظهر وخرج بعد العصر, وجمع أمراءه وعارض بآرائهم آراءه فأل له عز الدين حاولي الأسدي تأذن لنا في الزحف قبل نصب المنجنيق حتى نذوق قتالهم ونجرب نزالهم فقال: استخيروا الله حيث اخترتم فنودي في البوادي بالأقدام والحضور في مقام الانتقام فثاروا إلى الثأر وطاروا إلى الأقطار ودنوا من الباشورة وباشروا وشاقوا معاشرها كأس المنية وعاشروها.
وعهدي بشاب من العوام في جرأة الضرغام عليه قميص خلق وفي يده قضيب ودرق وقد فرع الجدار وهو يدافع ويقارع ويجالد ويماصع فتبعه ضرب من إضرابه في الضرب وشيعه آخر على حزب الحرب فتخاذل القوم ودخلوا الحصن وأغلقوا الأبواب ووقفوا وراءها على شرفاته وأشرفوا على شرفاته وملك أصحابنا الباشورة وملأوها وانتقلوا بكليتهم إليها وكلأوها. وباتوا طول الليل يحرسون والسلطان يمدهم بالإمداد وينجدهم بالإنجاد ويشفق من فتح الأبواب وكبسهم الناس فقيل لنا أنهم وقدوا خلف كل باب نارا ليأمنوا على أنفسهم اغترارا ولا يلقوا غوارا فقر قرار الأصحاب وغاد الجماح إلى الأصحاب ثم جمع الأمراء والكبراء وفرق عليهم البناء فأخذ عز الدين فرخشاه الجانب القبلي وجمع عليه الصناع النقابين وأخذ السلطان النقب في الجانب الشمالي وأخذ ناصر الدين محمد ابن شيركوه بقربه نقبا وأفرد تقي الدين قسما وكذلك كل كبير شرع في طرف وأخذ العمل فيه بسرعة الفرنج من فوقهم على السور وراء الستاير يرمون القوارير وكان الحصن شد سد البناء فعسر على النقابين إخراج حجره وإظهاره مضرة ثم تم النقب السلطاني وغلق وحشي بالحطب ليلة الاثنين وأحرق وظن أنه يقع والنقب في طول ثلاثين ذراعا وفي عرض ثلاثة أذرع في المقدار وكان عرض السور سبعة أذرع فما تأثر بالتعليق والتحريق فأصبح يوم الاثنين والقلوب قد أشفقت والظنون قد أخفقت ولا سبيل إلى تعميق النقب للنيران الملتهبة فيه فأخرج السلطان صرة فيها ثلاثمائة دينار مصرية وتركها على يد عزا لدين وأمره أن يعطي كل من جاء بقربة من الماء دينارا فرأيت الناس للقرب حاملين ولأوعية الماء ناقلين حتى أغرقوا النقب فعاد نقابوها فخرقوه وعمقوه ثم علقوه واستظهروا فيه يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء ثم أحرقوه ووصل الخبر بأن الفرنج قد اجتمعا بطبرية وأنهم ملأوا بخيلهم ورجلهم تلك البرية فحصن الصناع.
ولما كان الخميس الرابع والعشرين من شهر ربيع الأول أصبح الخميس قد حمى الوطيس وقد عض الأسد الخيس والدنيا تضطرب والبلوى تضطرم ونحن ننظر إلى السور وقد طال الانتظار ووقع من بطء وقوعه الاستشعار ولما تعالى النهار وعيل الاصطبار وزال القرار انقض الجدار وتباشر الأبرار وتسابق الناس إلى الثملة وكان الفرنج قد جمعوا وراء الواقع حطبا فلما وقع الجدار دخلت الرياح فيها فعادت عليهم النار وأحرقت البيوت الدانية منها في الجوانب وبلوا من كل صوب بالمصايب فاجتمعوا إلى الجانب البعيد من النار وقد لفحهم وهج الاستعار وصاحوا بالأمان وأظهروا الإذعان وجلس السلطان وقد حمد الله سبحانه وحده فمن أحضر من الأسرى عنده استنطقه فإن كان مرتدا أو راميا يخرج ضرب عنقه.