للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن جملة انحرافه في سماحته أن المجير البيلقاني الشاعر بالفارسي تعلق له أمل بجمل فكتب إلى قزل أرسلان مقطوعاً في أحد وعشرين بيتاً لم يخل كل بيت عن لفظه الجمل بمعنى ليس في البيت الآخر بديع وسبك نصيع فوهب له أحد وعشرين بازلاً نجيباً. قال: وهذه نبذ من مكارمه ليقتدي بها الكرام ولأنوب في الشكر عمن شمله الأنعام وهو من الملوك الذين سيرت إليهم البشارة من المملوك وسار بالبشائر والهدايا والتحف والأساري إليه ابن أختي جمال الدين أبو الفتح إسمعيل بن الحسن بن عبد ربه وكان ينوب عني في الكتابة وهو سهم كاف كثير الإصابة فاختاره السلطان لهذه السفارة وجعله أميناً في أداء أدوات البشارة ومضي سفيراً فقوبل وفوده من القبول بالوفور وأرسل معه أعز من عنده وحمله مشافهة وشكره وهو عز الدين الطالبي فوصل وأوصل الهدايا والتحايا وأحضر لما حضر نفود المكرمات والثنايا وكنا حينئذ بعكا وهي بالأولياء معمورة وبالآلاء مغمورة فأنزلنا في أكرم منزل وشاهد مواقف الكرام ومفامات الأقدام وأقام في (٢٤٠ب) إقامة هنية وكرامة مضية وفي كل يوم إهداء مركوب وعطاء غير منسوب فلما آن انفصاله وحان ارتحاله أغناه وأعطاه مل لم يخطر في مناه وعين لصاحبه من أنواع الهدايا ما جاوز تقويمه الألوف وأطاع في سماحة طبعه الألوف وأخذ الهدية القزلية من الجواهر الثمينة والمستعملات المصرية والثياب المعدنية والعتاق العربية وكل ما حاز به يد الأيد في جهاد من طريف التلاد وعقابل الطرف والتلاد والخوذ والنزول والعقود والسلوك وغير ذلك مما يصلح للملوك وسلم جميع ذلك إلى جمال الدين نسيبي وجعل له تلك الرسالة من نصيبي وأهدى لأمرائه وخواصه وذوي قربه واختصاصه هدايا على أقدارهم ومنازل كبارهم وصغارهم وتوجه وتوجه الرسول ومعهم رسولنا وقد شملنا اقبالنا وقبولنا وكتبت على أيديهم بالفارسية كتباً بالبدايع مشحونة فلما وصلتهم الكتب والرسل تواصلت بيننا وبينهم الصلات وتهادت المهاداة واسترسلت المراسلات وانقلبت إلى المصافات الصفات.

قال: وسأذكر نبذاً من تخرقه في السماحة وأغفلتها ثم تندمت كيف أهملتها أصبح يوماً في عنفوان هبوب صباحنا وقد وهب جميع ماله من لبسه وثيابه واصطبله بآلاته ودوابه وخيمته بما فيها من سبده ولبده وقعد على الأرض متجرداً عن كل ملك شاذاً من كل عقد وسلك وذلك في زمان أبيه فلما نما الخبر إليه بما سخا به وأنه صفر يده أحضره وزجره واستجهله فيما عرف منه وأنكره. قال: ومن أنت ومن يقال لك ومن لهذا الطريق الذي سلكه سلك فقال ما معناه أنا أبي خير من أبيك وأشرف وأعظم. أنت الأتابك شمس الدين إيلدكز والدي فمن كان والدك ولا تنكر إذا وردت مواردك وأنت تخاف وتسعد عنه وأخلف عليه أفضل ما كان له وأوفر.

ومن حكايات مغنية في مجلس أنسه والتهاب طربه في طيب نفسه فقالت مالدو أيرى علف وما لما أنفقه على علفها خلف فقال سراً لخادمة خذا غراره فأملأها بثياب ديباج وحرير وأطلى رأسها بحشيش وشدها وأعدها وإذا طلبناها أحضرها فأما أحضرت قل لها هكذا هذا العلف خذوني هذه الساعة إذا كان هذا جودك وموجودك فكنت تخل مجلسك من إحضاره وتبقيه عارياً من عاره فقال لها وحلف أنها تتولى أخذ الغرارة المحشوة وتفريغ الفرد المملوة فقامت كرهاً على القدم لأجل إجلال القسم فأخرجت منها غنى الأبد فخرت ساجدة وفخرت واجدة وعاد منها غنى الإحسان بإحسان الغنى وأخذت في الإطراب والإطراء.

ومن حكاياته أن شاعراً مدحه بقصيدة سبعين تناهزت أعطافه فقال يحكم على فيما أعطيك ولا ترضى إلا بما يرضيك فقال: قد قنعت بسبعين ديناراً عدد أبياتها فقال له: ما أدنى همتك لو طلبت مني سبعين ألف دينار ولا حرمتك منها ولا حظرتها ثم أعطاه ألف دينار وحلا وجه أمله وصفح نجحه بسفور وأسفار. قال: وهذا كله لا يكون في بحر سلطاننا جدولاً ولا لأحد أمليه في سماحته منهلاً وكان مهذب المذهب طاهر المحفل والموكب وقد خصه الله بالصدر الأرحب والعرق الأطهر الأطيب للخالق تقواه وللمخلوقين جدواه وإنما يريد للآخرة دنياه فلا جرم ختم الله بالحسنى عقباه. قال وفي هذه السنة سنة ثلاث وثمانين استشهد الأمير الكبير شمس الدين بن المقدم وهو محمد بن عبد الملك يوم عرفه في عرفات.

ذكر السبب في ذلك

<<  <   >  >>