للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فصل آخر في معنى إزالة المنكرات أما المأمور في معنى المنكرات الظاهرة وإزالة أسبابها وغلق أبوابها وتحصين كل مهتوكة من عصمة وتطهير كل موصومة فالله يثيب المولى ثواب من غضب ليرضيه بغضبه وحمل الخلق على منهاج شرعه وأدبه. وقد أستدعى الملك العادل أحد الواليين وسلم إليه ما كوتب به من مولانا وأسمعه الأنكار العنيف. وأشار المخاطب إلى جهات تحمي بيوت المنكرات. فقال لو استقام العود لما إعوج ظله ولو تنتهي أنت لانتهى غيرك, ولكنك ملجم عن أنكارها لأنك شريك فيه وأجيب إلى أن يرتب من الأصحاب العادلية من يغلق مواضع الخنا ويحجر على فواسد النسا. وما وقفت خواطر العصيان عند الزنا إلا أن زادت مصحفة وهو الربا فلا حول ولا قوة إلا بالله من محارم فيه منتهكة, وكاسب قد نزع الله منها البركة, ومروات قد سقطت ووجوه قد توقحت وأموال قد تحرمت وشريعة منه قد خولفت نشكو إلى الله دنيا لا نحن نتركها ولا نحن ندركها.

غدارة بالناس غرارة قريبة العرس من المأتم (١٩٥ أ) وليس لحوادثها ونوايبها قرن إلا التقوى والله المسئول أن يوفر منها حظ المولى وأما فلان فإنه بطل كثير السر والحيلة والمال والرجال فلا يحتقرنه وبعد أن أيقظه فلا ينم عنه والحيلة في بعض الأوقات ترجح على القوة على أن الساعي مخذول ومن سل سيف بغي فهو عما قليل به مقتول وواجب أن يظهر العذر.

فما أحسن أن يعذر المرء نفسه ... وليس له من ساير الناس عاذر

وإذا اقترن بكل مل يريده المولى حسن النية كانت العاقبة للتقوى على أن المولى ظاهر عذره والمشار إليه ظاهر ذنبه ومكره, قال الله سبحانه وتعالى في مثل المولى " ولمن انتصر بعد ظلم فأولئك ما عليهم من سبيل " وقال حاله مثل حاله: "ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله" ورب سبيل بدؤه مطير ونعم السبيل إلى الخير نية الخير قال: وإنما أوردت الفصول الفاضلية لأن في كل فصل منها ذكر سيرة وفيها فوايد كثيرة وبواعث للخواطر مشيرة, وفيها أحاديث وأعاجيب الاوهات والدمايث.

[ذكر ما أسقطه السلطان من المكوس بمكة شرفها الله]

قال: كان الرسم بمكة أن يؤخذ من حاج المغرب على عدد الرؤوس ما ينسب إلى الضرائب والمكوس فإذا وصل حاج حبس حتى يؤدي مكسه ويفك بما يطلبونه نفسه وإذا كان فقيرا يحبس وتفوته الوقفة بعرفة. فقال السلطان نريد أن نعوض أمير مكة عن هذا المكس بمال ونغنيه عنه بنوال وإن أعطيناه ضياعا استوعبها ارتفاعا وانتفاعا ولا يكون لأهل مكة فيها نصيب فقرر أن يحمل إليه في كل سنة مبلغ ثمانية آلاف أردب قمح يحمل في جلابها إلى ساحل جدة ويهدي بها إلى أهل الحجاز وجدة فإن الأمير بها يحتاج إلى بيعها للانتفاع بأثمانها وأهل الحرمين يثقون من الدولة بدوام إحسانها وقرر أيضا حمل جلاب الغلات إلى المجاورين والفقراء بها من الشرفاء فسقطت المكوس واغتبطت النفوس واستمرت النعمة ومر البؤس وذلك في سنة اثنتين وسبعين.

فصل من كتاب فاضلي في المغنى ومن البشاير التي عهد لملك من ملوك الديار المصرية بالحصول على فخرها وأجرها انقطاع المكاسين عن جدة وعن بقية السواحل ويكفي أن تمام هذه المثوبة موجب للاستطاعة مقيما لحجة الله في الحج فقد كانت الفتيا على سقوطه مع وجود الحامل ووصلت كتب من مكة تضمنت أن القمح ويبه وربع بدينار مصري وأن الغني في شدة وأن الفقير هالك وأن هذه الجلاب بمشيئة الله قدرة من قدره " يحيي العظام وهي رميم " وفرج عظيم انتهى إلى البلاد بعد أن تناهى الكرب العظيم والله تعالى يفرج عن أهل دينه ضايقات الكروب ويفك عن أهله حيرة حلقات الكروب قال واستمر مقامنا بالمخيم بظاهر حمص والسلطان يصمم العزم للجهاد ويجد الحرص قال

[ذكر الحوادث في هذه السنة ونحن بحمص]

ومنها وفاة المهذب أبي الحسن علي بن عيسى المغروف بابن النقاش البغدادي بدمشق في المحرم.

<<  <   >  >>