قال: كان المنجمون في جميع البلاد يحكمون بخراب العالم في هذه السنة في شعبان عند اجتماع الكواكب الستة في الميزان بطوفان الريح في ساير البلدان وخوفوا بذلك من لا وثوق له باليقين ولا أحكام له في الدين من ملوك الأعاجم والروم وأشعروهم من تأثير النجوم فشرعا في حفر مغارا وتعميق بيوت في الأسراب وتوثيقها وسد منافسها على الريح وقطع طريقها ونقلوا أيها الماء والازواد وانتقلوا إليها وودعوا الطراف والتلاد وانتظروا الميعاد وكلما سمعنا بخبارهم ضحكنا من عقولهم الواهية العقود وسلطاننا يسخف آراء أولئك الملوك وكيف خص الله بصايرهم بالإظلام والحكوك فلما كانت الليلة التي عينها المنجمون لمثل ريح عاد ونحن جلوس عند السلطان في فضاء واسع وناد للشموع الزاهرات جامع وما يتحرك لنا نسيم ولا يسرح للهوا في رعى مناقب الأنوار مسيم فذاكرنا ما ذكره المنجمون وشرعنا في رواية أحاديث الرسول وذكر ما يدل على بطلان أقاويلهم من المنقول والمعقول فما رأينا ليلة مثلها في ركودها وركونها وهدوها وهدوئها.
[ذكر الحوادث في هذه السنة]
قد سبق ذكر أتابك شمس الدين محمد بن أتابك ايلدكز المعروف ببهلوان وعساكرهم وانهم وصلوا إلى قرب خلاط عام أول في جمادى الآخرة (٢٢٨ب) ونحن على ميافارقين فلما انصرفنا انصرف وتصرف بهلوان وجرى بما قدره الله الحدثان ومرض مرضاً أعيى الأطباء دواؤه وأعضله داؤه وآيسه عن الصحة أطباؤه وانقطع رجاؤه من الثرا إلى الثرا ومن البراءة إلى السرا وجاءنا نعيه في أول سنة اثنتين وثمانين فما ندري أكانت وفاته في هذه السنة أم قبلها وكانت حياته متصلة للجد والجدى إلى أن جذ القدر حبلها واضطربت م بعده تلك الممالك وتطرقت إلى البلاد من بلائها المهالك وأحربت أصفهان والى اليوم من سنة أربع وتسعين ما وضعت أوزارها وما ببالي أزور عنها من استولى بها أوزارها. قال الفتح علي بن محمد الأصفهاني مختصر الكتاب والى اليوم من سنة اثنتين وعشرين وستماية الحروب في اصفهان قايمة على ساقها وافتن مميحة فيها على سكانها بأوراقها والله تعالى يفرج عن أهلها ويبدل حزن أحوالها بسهلها. قال: وتولى بعد بهلوان أخوه قزا أرسلان فازال مهابة الملك السلجوقي وسلك بالسعيد الشقي إلى أن تضع السلك وطمعت خراسان في العراق وعدمت الأفاقة من الآفاق.
عاد الحديث: قال: واتصلت المواصلة بننا وبين المواصلة واستمرت المراسلات بالصلات وفقدت الحقود في الحقوق وجاء البر من العقوق وأعد السلطان لاتابك الموصل هدايا وتحفاً ومستعملات مصرية وثياباً وحصوناً وحجوراً عراباً وطيباً أهداه أخوه سيف السلام من اليمن وكذلك لوالدة الاتابك وصاحبته ولابنة نور الدين رحمه الله عليه ولأترابهن ما يليق بهن من البدلات الثمينات والمفاخر الذهبيات وقلايد العنبر الأشهب ونفايس الملبس المذهب. وأعد لمجاهد الدين قايماز مدبر ملكهم ما يعز نظيره من الخلع النضارية والهدايا الكثيرة والمركوب العرب وقوم ما سيره إليهم بما يربي على عشرة آلاف دينار سوى الخيل والطيب والشيء البديع الغريب ورخص وضر ما نزع به الشيطان ورفع الشنان وارتفع الشأن واستظهر بمظاهرتهم السلطان.
[ذكر جمال الدين محاسن بن محمد المعروف بابن العجمي]