للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال: قد أجريت حديثه لما نزلنا على الموصل في النوبة الأولى وانه المتردد في لرسالة وانه ذو رأي وبصيرة وفضل وفطنة وهو أمين الأمير مجاهد الدين قايماز وحاجبه ومهديه التي تتضح بسنا رأيه مذاهبه. وفي تلك الدفعة عند حضور شيخ الشيوخ على الموصل في لشفاعة يخرج كل يوم هذا محاسن بحديث ويحضر وهو عاد في ذي مستعد مستغيث حتى بردت تلك الحرارة بطبه وفلت عن الموصل حدود بأسنا بحده وعزمه، ولما رحلنا عنهم تلك الكره وفتحنا بلادهم بالخابور وسنجار واشتغلنا بحصار آمد في اوايل سنة تسع وسبعين وجئنا إلى حلب وحلبنا درها ونظمنا في سلك الفتوح أمرها جاءنا الخبر بدمشق أن أتابك الموصل قبض على مجاهد الدين وحبسه وأخفى موضعه الذي فيه أجلسه وكان من قبل اعتقاله له قد توجه الحاجب محاسن إلينا بإرساله فعلم بحاله وكان قد قرب من حلب فأبعد عنه ممن وراءه الطلب وكتب إلى السلطان وأمره بالوصول وأعطاه حتى أغناه وحقق له من الإقطاع والاصطناع كل ما اقترحه وتمناه ثم استخلصه لنفسه واستخلصه لأنسه وأنساه بجوده الموصل والاتابك وقال الحمد لله الذي آتى بك وهو من جميل دأبه وحسن آدابه كل يوم في زيادة وحسن وسعادة دين ودنيا. وكان يعتمد عليه في المهام العظايم وأرسله مرات إلى قزا أرسلان والى السلطان السلجقي بهمدان وأما مجاهد الدين فانه طال اعتقاله اشهراً وآيس صديقه لما لم ير له مظهراً ثم رأى صاحب الموصل بعد حين انه من أمر مملكته في تهويم وتهوين واستيقظ وإذا أموره بسواه مختلة وعقوده منحلة فعرف وانف واستدرك ما فرط وكان مجاهد الدين عنده مكرماً ولم يزل له مستشيراً معظماً فأخرجه يوماً بعد اليأس منه إلى مرتبته وسر السلطان بما سمعه من خلاصه فانه لم يزل من مريدي الخير وخواصه ولما نزلنا في المرة الثانية في سنة إحدى وثمانين على الموصل صحبنا جمال الدين محاسن من جملة خواصه الأمراء ومن المعدودين في المشاورات والآراء واقطعه من أعمالها باوشنايا وانفصلت بتوصله وتوسله هناك القضايا ولما صالحناهم اعتمدوا على محاسن في حفظ مصالح الجانبين فاستقرت الألفة وكفايته (٢٢٩أ) طوارق الفساد وتخيروا في النصرة الناصرية على ما سيأتي شرحه إلى الجهاد ونقل جمال الدين محاسن أهله وولده إلى الشام ووفرت حظوظه من الإكرام والإنعام.

قال: وكان مجاهد الدين قايماز في أيام الملك العادل نور الدين محمود ابن زنكي رحمه الله وهو يتولى اربل يتوفر على مصالحي ويؤثر مناجحي زلما جاءت الدولة الصلاحية وانتقل هو إلى الموصل جرى معي على إحياء تلك المعرفة فلما تنفس صبح الصلح حررت عهداً عمرت به معاهد الأحرار واسوت بإبراء إساءة كلمي كلم الأبرار وقصدت التحقيق وأحكمت المواثيق وقضيت حق الكلم فقضوا حق الكرم وأنفذوا إلى بغلة مسرجة ومائتي دينار وثلاثين ثوباً من مقدمات أنواع الوشى. ولما أقمنا بدمشق سنة اثنتين وثمانين أنفذوا على يد جمال الدين محاسن ذلك الرسم بل أضعفوا فان مجاهد الدين تقرب من خاصة بما أحرزته قصب السبق وأبقى إلى انقضاء بقاء السلطان صداقه الصدق، قال: واشتغل السلطان في بقية سنة اثنتين وثمانين في استقراره بدمشق ومقامه إشفاقاً لنكس سقامه في بعض أيامه بالصيد والقنص فكان يركب إلى تل راهط بالبزاة والشواهين مع مماليكه الخواص الميامين وله شاهين يجري كأنه بحر، وإذا حلق فشرار، وإذا أحرق فجمر فكلى المدار ملكي المطار شهاب ثاقب في الديجور عذاب واصب على الطيور وكم صاد ليوسف يعقوباً وعقر في إنجاز وعد صيده عرقوباً ولما رأيت للسلطان هذا الجارح غبطته عليه وطلبته إليه وقلت له هب لي هذا الشاهين فتعجب من سؤالي المستغرب فقال أنت للقلم والدواوين والحجج والبراهين فمالك وللبزاة والشواهين فقلت: يكون في ملكي وكل ما يقتنصه يأمر لي به المولى وهذا أربح لي وانفع وأولى. فقال: نعم وهبته لك ولما أصبح وعاد من القنص سيرلي سبعة عشر قطعة من طير ماء حجل وقال: سنين والسلطان يصطاد به ولى قنصه فمازال لى على هذا الحق محافظاً ولهذه النكتة ملاحظاً إلى أن ولى أن أودى الجارح في الله دره من سلطان خاطره بهم الممالك مشغول وعلى قلبه عبء الدنيا والآخرة محمول ولا ينسى ذكر هذه القضية التي أعاد مزاجها جداً والشدة لى حقاً معيداً فدون حقه على مثله انه يوسف ومن حقنا بعده أن نتلوا: "يا أسفي على يوسف".

<<  <   >  >>