يا أمير هذا يأمرك بالوفاء وقد أتى القرآن لكل مرض بالشفاء فما رفع يمينه حتى استوفى يمينه واستحسان أمينه وكذب رسله وجحد ما اعترفوا به من قوله وبذله كله ثم صرف وزيره وادعى عليه تزويره ولولا ذلك ما هان ابن ما هان ولم يصدق على إن ما كان. فجئنا واخبرنا السلطان بحلية الحال وأن ما سبق من القول كان محالا على محال فتذمر وتذمم وتلون وتلوم وتعجب من القضية وأنها ليست على الحالة المرضية ثم سكت عن شأنه مطرقا حتى أصبح وركب الميدان وفرغ من اللعب بالصولجان استصحب معه مظفر الدين إلى سرادقه على العادة وأطاع فيه حكم الإرادة ونقله إلى خيمته ووكل فيها به ومنعه من أصحابه فوقع الخبر بخفضه وشاع سر قبضه وهاج العسكر وماج المعشر وقام المحشر واجتمع الأمراء عند السلطان وأشاروا عليه بخلات العفو والإحسان وأجمعوا على أن ينقلوه إلى قلعة حلب وخافوا أنه إذا خلى سبيله هرب وفات الطلب فلما انصرف الأمراء وتصرفت بهم الآراء وخلا وجه السلطان وأنا عنده والفقيه ضياء الدين عيسى وقاضي العسكر وعرفنا منه سجية (٢٢١ أ) الإحسان فقلنا له انتهز فرصة الإمكان وقلد المذكور طوق الامتنان وما بلغ الأمر إلى الإيحاش وما فقد العثار مهلة الانتعاش والذي أشاروا به ليس من الصواب ولا يحكم فيه بظن الارتياب وكان هذا رأيه فوافقه وعلم أنه قد ما خصه ومازحه وناصحه وما نافقه وانه بالغبن مصاب وبالمنن مغتاب، وقال: امضوا إليه فاكتنفوا ضمايره واستوضحوا سرايره وسكنوا من روعه وأعيدوا أفقه حلقة عادتى ضوءه وضوعه فوافينا وهو مرتاع مستشعر فاجتلى منا وجوه المعارف وهش بهشاشتنا وسر ببشر أسرتنا وقلنا له لا تغتم لما بك فإن السلطان يطلب بعتبك أعتابك وإنما أجلسك ليقرب عليه المراسلة والمخاطبة. فقال: هو مالك رقي وعارف حقي وأنا أسمح بما معي من البلاد وأخرج إليه من الطراف والتلاد وأخدمه ويبين له صدقي الذي أعزمه فقلنا له بل تسلم إليه قلعتي الرها وحران وتظهر بذلك له الأذعان. فقال: كل ما تتسيرون به فهو مقبول وعلى الرأس والعين محمول، وعدنا إلى السلطان ولم يبرح من المكان وأمر من الخزانة بتشريف يليق فقد شفعه التأييد والتوفيق، واستدعى به فقبل الأرض وتقبل الفرض وعاد إلى بيته بالحمد جديد السعد سعيد الجد وتسلمت منه القلعتان ثم أعيدتا إليه غي آخر السنة ومحيت سبة توهموها بكل ما استمحاه من الحسنة.
[ذكر الرحيل من حران وما جرى بعده]
قال: وأقمنا بحران في صفر ووجه المنى قد صفر ودخل شهر ربيع الأول في أوائل الربيع واغتنمنا مرعى المراد في المراد المريع. وقال السلطان: لا مكث بعد اليوم ولا لبث في قصد القوم فصممنا على الرحيل وجينا إلى رأس عين فملأنا سهولها وحزونها وكدنا نشفه عيونها وعبرنا على بلاد رمت إلينا بأكبادها وملكنا طوعاً وكرهاً أزمة قيادها ونزلنا بداراً لنا أميرها ووصل إلى الخدمة وامتزج بنا وأنشج بالود وانتسج وكان قد وفد بعساكر ديار بكر عماد الدين أبو بكر بن قرا أرسلان بسبب مرض نور الدين أخيه فشكرنا على تهديه في توخيه. وأقمنا بنصبين ريثما قضينا الأشغال ونضونا الأسمال ثم سرنا وخبب الفلق على نسيج الفيلق مزرور وطرف الشمس الأرمد بكحل العجاج مذرور وأقبل صاحب الجزيرة معز الدين سنجر شاه بن غازي بن مودود بن زنكي وكان قران النيرين والتقاء البحرين بين النهرين فأصبحنا لإقباله حامدين ولاستقباله عامدين والتفيناه بدراً طالعاً في هالات أعلامه وأسداً خادراً في سلات آجامه واختليناه قمراً في نجومه وسررنا بقدومه فانتظم في السلك واحتكم في الملك وفاض الجود له ولأصحابه حتى دنت كل شاحط ورضيت كل ساخط. واستدركنا بالإحسان كل فارطة لأجل تراكم الجحافل والتزاحم على المناهل قصدنا دجلة من اقرب الطرق وتركنا طريق الدولعية والمرق ونزلنا على بلاد دجلة على بلد وكان وصولنا إلى هذه المدينة في آخر شهر ربيع الأول ثم حدنا على الشاطئ للتنقل والتحول حتى تصل إلى الموصل ثم خيمنا على الإسماعيليات وهناك ألقينا العصا