قال: أقام السلطان في دمشق حتى دخل الشتاء وعارضت عارض نداه الأنداء وجادت كجوده السماء ومنح في خصب السنة كما منح في إحسانه الرجاء وتفرقت بأيدي أوليائه كأمواله الأعداء وأقام حتى انقضى رمضان ولم يرض بالمقام في كن كانون وآثر الدنو من أعدائه الذين لا يدينون ولا يدنون فهمت همته وحميت حميته وأخذ بالحزم ونفذ بالعزم واستحض واستحث وحظر اللبث وأصبح في يوم أصحت سماه وصحت في الحسن والطيب أسماره فأخرج مضاربه على سمت بعلبك وضربت خيامه من دمشق على فرسخين وهو يركب كل يوم لصيده وقنصه واهتبال فرصه. وأقام أياماً حتى اجتمعت إليه الشداد واتصلت بتوامها الأقداد وشد زمام الزماع للأسراء والإسراع وسار على طريق البقاع وفزعت تلك الجبال بفوارع الجبال وأصحرت الأساد الخوادر من الفيافي الأغيال وسالت أودية الشعاب ببحر الجيش ذي العباب وسرنا حتى خيمنا على بعلبك بظاهرها ودخلت البلد هناك في العشرين من ذي القعدة مفارقاً للمخيم بسبب المرض الملم وشق على السلطان انقطاعي وتوجع لما راعه من أوجاعي فانقطع أملي واتصل ألمي. ورحل السلطان إلى حمص فسير إلى طبيبها ابن الصوري وسمع المخدوم الأجل الفاضل بخبري وكان بدمشق فجمع الأطباء وخاطبهم في تدارك حالي فندب من وقته الموفق بن المطلوب وسار في يوم وليلة إلى بعلبك من دمشق فرأيت منه عمل من طب لمن حب فشفيت بعدما أشقيت وعجلت أوبتي إلى دمشق وكان وصولي إليها في ثامن ذي الحجة وأخرست بحضوري شقاشق المرجفين وأقمعت بأوبتي مناشق المتشوقين وأقمت إلى أن عاد النشاط وتيقن على المزاح الاحتياط والسلطان لحماه يرقب قربي ويطلب أوبي وجاءه عند استشعار اليأس مني من بذل له في منصبي بذولا فما استحسن عني إليهم عدولاً وخلع على البشير بسلامتي. وحين استقام مزاجي استقمت على منهاجي ووافيته وما برح من حلب حتى جئته وما لقيت السعادة حتى لقيته وما أمر بالرحيل حتى وضعت بمخيمه رجلي وأبدى لي أن مقامه من أجلي.
[قال ودخلت سنة إحدى وثمانين]
والسلطان بظاهر حماه مخيم وللعزم على قصد الموصل مصمم والثناء قد انكسر والنور قد انحسر ووصلت إلى السلطان يوم عزمه على الرحيل وإذن وصولي بأحياء رسم منصبي المحيل ورحلنا لأرب منتبهون وإلى حلب متوجهين ولما قربنا من تل السلطان تلا السلطان سورة الحمد وتلاه السلطان السعد وجاء أخوه الملك العادل سيف الدين صاحب حلب لتلقيه وقد أقبل بالإقبال وجلا وجه الجلال ومعه عسكر حلب في هيئة رايقة وهيبة رائعة فاستبشر السلطان بلقائه ودعا له بلقائه. ولما وصلنا إلى حلب در حلبها وتلقانا عجمها وعربها وخرجوا وتبرجوا وتنزهوا وتفرجوا وخيم السلطان بظاهرها ظاهر المخيم طاهر الأديم مستقيماً من أمر الله على المنهج القويم وأقام أمامها إلى أن سأل عن الأحوال ومال نحوه بالنوال وأطلع بدور البدور في آفاق الانفاق وأطلق قيود النقود بالإرفاد والإرفاق وتوجه للمسير ماطر السماء سامي المطار سامي الإقتداء قوي الاقتدار. وكنت في ستة من مماليكي وخدمي وأشياع أملي وأتباع عملي والمحتدين إحسان السلطان والمعتفين سلطان إحساني. ولما تكاملت جموع الجنود وتواصلت وفود الحشود رمي قبل العشية دهليز النوبتية في صفر وفض الختام وقوض الخيام. وأصبح السلطان راكباً في عسكره ساحباً ذيل عشيره وهو قمر هالته وشمس جلالته ووصلنا إلى مضيق جبلان ثم سرنا في سهول وأوعاث في مراحل ثلاث حتى خيمنا على الفرات ببحر المبرات ونزلنا بمكان تحت البيرة على فرسخين نعرف ترتيباً. والفرات قد تحاجزت مدوده وتجاوزت حدوده ومحت من جسوره سطوره وأعجزت ورده وصدره إعجازه وصدوره (٢٢٠ب) وهو متلاطم الأمواج متزاحم الإثباج وكان السلطان قد سير إلى معاقل الفرات وقلاعه ونواحيه وضياعه وأمر عليها بعمارة كل سفينة ومركب وزورق فحالت جواريها كالجبال الرواسي فعلونا آكامها ورفعنا أعلامها " بسم الله مجريها ومرساها " وأقمنا ثلاثة أيام للعبور وأحمدنا مصبحها وممساها وأخضنا الخيل الماء فغامرت الداء فسبحت السوابح في تياره وتسابقت السوابق في مضماره ولما وقع العبر توقفنا حتى ضم النشر فأخذنا على سمت حران في طريق برج علوة والبيضاء وقد ضايق بالعسكر واسع الفضاء ووصلنا إلى حران في عدة مراحل وخيمنا بظاهرها ظاهرين وبإمداد نعم الله مظاهرين.