فصل من كتاب إلى الديوان العزيز بشرح ذلك: وجرى عند ذلك من الاتفاقات الحسنة في هذهالسنة أن بطشة كبيرة من مراكب الفرنج مقلعة من بلد لهم يقال له يوليه تحتوي على ألفين وخمسمائة نفس من الرجال القوم وأبطالهم وهم على قصد زيارة القدس في الساحل فالقتهم الريح إلى ثغر ديماط المحروس بجدهم المنكوس فغرق منهم الشطر (٢٠٦أ) وشمل الباقين بأسرهم الأسر وسقط الفرنج في أيديهم وحل منهم في الأسر زهاء ألف وستماية وستة وسبعين نفسا ذل لها جانب الكفر وقامت بها على الكفرة الفجرة حجة النصر. قال: ودخلت سنة ثمان وسبعين وخمسمائة والسلطان لمضاربه مبرز والإيمان لعساكره مجهز ومصر قد أبرزت أثقالها وحقت (وألقت ما فيها وتخلت) وقد خفقت ذوايب الدوابل وانتظمت بحار السوابح وأطردت جداول الصفايح وخرجت المعارف للتوديع والأشياع للتشييع ونحن على العزم الصريح السريع وما من استكثر من الطهر والزاد واستظهر بوفور الإمداد وعزمنا على الرحيل من بركة الجب خامس المحرم على طريق صدر وايلة ثم كانت منازلنا على الجسر ووادي موسى ووصلنا السير بالسرى حتى قطعنا بعد خمس ليال إلى ألة العقبة وسمعنا بأن الفرنج مجتمعون بالكرك لقصد الطريق فصممنا العزايم على جمعهم بالتفريق وشحذنا الجدود وأنفذنا إلى أطرافنا الجنود ثم فرضنا عقبة شتار وذكرنا الأوتار وشددنا بالقسى الأوتار فلما وصلنا إلى القريتين أقمنا لتدمير العدو وأغرنا تلك الأيام العشرة على طرف بلاد العدو ونواحيها وأزلنا نقوش عروشها بمواحيها وأنبتنا في ثنايا تلك الثغور من بيضها بيض أفاعيها فمكثنا على أنهم بغاراتنا يسمعون وفي غزواتنا يطمعون فما برحوا من وراء جواهم ورأى جدواهم فقال السلطان أزوادنا ما تفي بالمقام ومعنا خلق كثير من الخواص والعوام فأقام في كماته المجردة وقال لاخيه تاج الملوك بورى: خذ الناس معك واقصد بهم على طريق مأمونة يمنة فسارت آلايه منتظمة وأتخذت الدجنة جنة وأدلجنا وسار السلطان على سمت الكرك وبيننا وينه وهو مقابلنا فب العرض مسافة يجمع ويقصر فيها الفرض فوردتنا البشاير بنصر عز الدين فرخشاه وظفره وأنه غنم وعاد بكرم مآثره وحسن أثره وسأذكر شرح هذا الظفر بعد انتهاء هذا السفر. ثم اجتمعنا بالسلطان بعد اسبوع على الأردن ثم جئنا إلى بصرى وهنا استقبلنا أنعم الشام وتلقينا أيام من الأيام وجاء الملك المنصور عز الدين فرخشاه وقال قد نال الإسلام بإقباله ما كان يرجوه والكفر ما كان يخشاه وأقرت بجماله وجميله الأعين والألسن وشهدت له شواهد فضله بأنه المحسن المضل وجنت إلينا دمشق ثميراتها ووجبت بحكم الشوق المسارعة إلى الدخول جناتها ووصلنا إلى دمشق يوم الاثنين سابع عشر صفو ووجه الدولة قد سفر ودخلنا منها إلى جنة النعيم وفزنا منها بالمقام الكريم.
[ذكر ما تم بنهضة عز الدين فرخشاه]
قال رحمه الله لما عرف الفرنج رحيلنا من مصر وجمع من الناس التجار وأهل الشام الذين يغربوا خوف اللا من الشام اجتمعوا إلى الكرك للقرب من الطريق لعلهم ينتهزون فرصة التعويق أو يقفون على بعض العقاب ويتطرفون للأطراف والأعقاب فعرف عز الدين فرخشاه بدمشق هذا الخبر فنفر وجمع جموع الشام واغتنم خلو بلاده من حماتها وفراغها من كماتها وتسبيبها على رعاتها فنهض إليها نهضة شمرى مشمر وصحبها صباح مدبر على الكفر مدمر وأغار على دبورية وجاز إلى حبيس جلدك بالسواد وهو شقيف طالما شقب بأشقيائه أهل البلاد فأسعد الله عز الدين فرخشاه بفتحه المبين وتم به ذل الكفر وعز الدين، فجاءت خيبة الفرنج من ورائها وقدامها وتنوعت عليها في صحة عزمه أقسام سقامها ولما استقر بنا المقام مدحت عز الدين فرخشاه بقصيدة طويلة أذكر فيها سعادته بهذه الغزوة، ومطلعها: