قال: وأصبح الجيش على تعبيته النصر على وبرز رجال الجاليش وارتجزت دعاء التحريض والتحريش وقامت (٢٣١ب) الجرب على ساقها ووفت بميثاقها، والفرنج متكاثر العدد متكاثفة العدد آخذة طريق البحيرة بطوارق الحيرة قد أحاط رجلها بخيلها جارية إلى القرار بسيلها فاعترهم سدنا واعتراها صدنا فعرفوا أنه لا سبيل إلى الحياة إلا بسلوك نهج الموت وأنه لا مطمع في اللقاء إلا باستحلاء طعم الفوت والسلطان وقف قلبه ووقف على الوثوق بنصر الله قلبه وهو يمضي بنفسه على الصفوف ويحضهم على حظهم من الفتوح والحتوف وكان له مملوكا اسمه منكورس من شموس الترك قد كمل الله تعالى له حسن الخلق والخلق وصله في الفروسية وهو راكب أمام العسكر وأراد أن يكون له فضيلة السبق في الإقدام فوثب بحصانه وثوب الضرغام وحمل حملة جرى فيها عنانه وشكر لها إحسانه وظن أنه يوافقه في الركضة أعوانه فجذبه لقوة رأسه حصانه وخلاه خلانه فلما رآه الفرنج وحيدا ووجدوا المدد عن نصرته بعيدا رجعوا إليه ورموه عن ظهر حصانه وأحاطوا به في مكانه فأثتت في مستنقع الموت رجله وقاتل إلى أن بلغوا قتله فلما أخذوا رأسه ظنوا أنه بعض أولاد السلطان وزعموا ظهور الكفر على الإيمان وأما عساكرنا فإنها لما رأت استشهاده حمت حميتها وخلصت لله في إرداء أعدائه بنيتها وصممت الجاليشية تلفحهم بلوافحها وتقدحهم بقوادحها وبرح بالفرنج العطش ووجدوا الطرق مصدودة والسبل مسدودة. وكان النسيم أمامها والحشيش قدامها فرمى بعض مطوعة المجاهدين النار في الحشيش فتأجج عليهم أسعارها وتوهج أوارها فوصلوا في ورطة الاحتدام فضايقت ذيابهم منا الضراغم وعارضت صقورها منهم القثاغم ودارت بمساعير الجحيم وداير الشعرا بجواحن، ونظر القومص من مبتدأ الأمر إلى غيته وعلم أن القوم قد تداعى بنيانهم ودعاهم خذلانهم فأفكر كيف ينجو فقال لهم: أنا أسبق بالحملة وأفضلهم بالجملة فأجتمع هو وآزروه جماعة من المتقدمين هم مظاهروه وصحبه صاحب صيدا وباليان بن بارزان فحمل القومص ومن معه على الجانب الذي فيه الملك المظفر تقي الدين ففتح لهم طريقه ورمى من أتباعهم فريقا فمضوا على رعوسهم ونجو بنفوسهم ولما عرفوا أن القومص نفد في الهزيمة هانوا ثم اشتدوا وما لانوا وحملوا حملات راضوا بها جماع الحرب وخلصوا فيها غمار الطعن والضرب وعدموا فيها استطاعة القدر بل طاعة القدر واستعرنا النصر عليهم من النصل المستعر فوعنا فيهم وقوع النار في الحلفاء وصببنا ماء حديد للأطفال فزاد في الأزكاد فحطموا خيامهم على غرب حطين حين رأونا بهم محيطين فعجلناهم عن ضب الخيان بضرب الهام وأزللنا أقدامهم عن مداحض الأقدام وما زالت الجج تغيض والمهج تفيض والنفوس تقع والرعوس تطير حتى كسد أشلاء مشلوليهم عرى العراء وحشت شفاه الشفاء من أفلاء مفلوليهم أحساء الدماء وانكسر من الصليب صلبه وبطل طلبه وحيرت كماته كمته وقبابه وقببه وملك عليهم صليبهم الأعظم وذلك مصابهم الأعظم ولما شاهدوا الصليب سليبا أيقنوا بالهلاك وأثخنوا بالضرب الدراك وما برحوا يؤثرون ويقتلون وللوثوب يحفون وبالخراج يثقلون فنكبوا في أرواحهم وأنفسهم ووصلنا إلى مقدميهم وملكهم وأبرنسهم فتم أثر الملك وأبرنس الكرك وأخذ الملك جفرى ودوا صاحب جبيل وهنغرى وأثر من الأثارة وجبر الإسلام بكثرهم وأسروا بأسرهم فمن شاهد القتل قال ما هناك أثير ومن عاين الأثر قال ما هناك قتيل ومنذ استولى الفرنج بساحل الشام ما شفى للمسلمين كيوم حطين غليل فالله عز وجل سلط السلطان وأقدره على ما أعجز عنه الملوك ونظم له في حتوف أعدائه وفتوح أوليائه الملوك وخصه بهذا اليوم الأعز والنصر الأبر.