عاد الحديث إلى المتجددات بمصر والشام في هذه السنة قال: فوصل نور الدين إلى دمشق وأدى فرض الصيام وخرج بعد العيد إلى الخيام وكان قد أخرج سرادقه إلى جسر الخشب ناجح الرأي راجح الأرب. وكان بها شهاب الدين الأرتقى ومحمد بن الياس بن ايلعازي بن أرتق صاحب البيرة وهو ذو الرتبة المنيفة في طريق القصد إلى الخدمة وقد فارق حمص ونزل باللبوة وركب متصيداً فصادف الفرنج قد أغاروا في ثلثمائة راكب من كل سال عن الحياة للحياة سالب فصادفهم وصادفوه وأنكروه وما عرفوه فما زال يغلبهم ويشلهم ويتلهم بدمائهم ويعلهم حتى تم على يده قتلهم بأسرهم وأسرهم وذلك في يوم الأربعاء السابع عشر من شوال هذه السنة.
ورحل إلينا ونحن بعشترا فركب نور الدين ووقف وجاء شهاب الدين ونزل وقبل وشكر نور الدين جلادته وجلده وعرض عليه الاسارى المقدمين (مقرنين في الأصفاد) مسجونين في الأغلال والأقياد ومعهم مقدم الاسبتار الكبير الأعور بحصن الأكراد وعدة مقدمون من أهل الشرك والعتاد وفرق شهاب الباقين من الأسارى على الأمراء والأجناد.
قال: وكان بمصر حبس للشحن يعرف بدار المعونة لإقامة العقوبات وسفك الدماء فأعادها صلاح الدين مدرسة للشافعية وعمرها فنشر بها إعلام الأدلة الشرعية وذلك في أول سنة ست وستين.
وفي النصف من المحرم عمل دار الغزل مدرسة للمالكية. وعول على القاضي صدر الدين عبد الملك بن درباس في القضاء والحكم بمصر والقاهرة وساير أعمالها الظاهرة وذلك في السادس والعشرين من جمادى الآخرة، وخرج في هذه السنة إلى الغزاة بعساكره وأغار على الرملة وعسقلان وهجم على ربض غزة وأفلت على الداروم ملك الفرنج تجري معه (١٧٣ب) الذقن ورجع في الحادي عشر من شهر ربيع الأول إلى القاهرة ثم وصل الخبر بخروج قافلة من دمشق فيها أهله فأشفق وأحب أن يجمع بها شمله فخرج في النصف من ربيع الأول وكانت بايله قلعة في البحر قد حصنها أهل الكفر فعمل لها مراكب وحملها إلى ساحلها على الجمال وفتح القلعة في العشر الأول من ربيع الآخر واستحلها واستباح بالقتل والأسر أهلها وشحنها بالعدد والعدد وحصنها بأهل الجلاد والجلد واجتمع عليها بأهله ثم ساوروا على سمت القاهرة ودخلوا إليها في السادس والعشرين من جمادى الآخرة وسار إلى الإسكندرية ليشاهدها ويرتب قواعدها وهي أول دفعة قدم إليها في أول سلطانه فعم أهلها بأحسانه وأمر بعمارة سورها وتجديد بنيانه.
وفي النصف من شعبان اشترى تقي الدين عمر بن شاهنتشاه بن أيوب ابن اخي السلطان العز بمصر وجعلها للشافعية مدرسة واشترى الروضة وحمام الذهب وغيرها من الأملاك ووقفها عليها.
وفي النصف من جمادى الآخرة أغار شمس الدولة أخو السلطان بالصعيد ثم دخل القاهرة في عاشر رمضان.
وفي الثالث والعشرين من جمادى الآخرة مات القاضي ابن الخلال وكان من الأماثل الأفاضل ولم يزل صاحب ديوان الإنشاء ولما كبر جلس في كير الانزواء وكان الأجل الفاضل يوصل إليه كل ما كان له وقام به مدة حياته لكرم عهده وتكفله.
ودخلت سنة سبع وستين قال: استفتح السلطان سنة سبع بجامع كل طاعة وسمع وهو إقامة الخطبة في الجمعة الأولى منها بمصر لبنى العباس وعادت الدولة بها ثابتة الأساس، وعفت البدعة وصفت الشرعة، وأقيمت الخطبة العباسية في الجمعة الثانية من المحرم بالقاهرة للإمامة المستضية المضية الزاهرة وأعقب وفاة العاضد في عاشورا بالقصر. وجلس السلطان للعزاء وأغرب في الحزن والبكاء ثم تسلم القصر بما فيه من خزاينه وذخايره ودفاينه. وكان قد نافق مؤتمن الخلافة وقتل وصرف من هو زمام القصر وعزل ووكل بهاء الدين قراقوش بالقصر وجعله زمامه واستنابه مناب نفسه وإقامة مقامه فما دخل إلى القصر شيء ولا خرج إلا بمرأى منه ومسمع.