قال: كان نور الدين محمد بن قرا أرسلان بن داود بن أرتق صاحب حصن كيف تزوج بابنة السلطان قلج أرسلان وهوي بغيرها وقد تزوج بمغنية وهو عليها يستخيرها, وهي في سر سترها وفي ضمير خدرها زهراء في أوجها صابرة على جور زوجها تخفي بلواها ولا تبدي شكواها وما ذلك لوجود شين أو لعد زين فإنها تالية القمرين وثالثة النيرين سلجوقية النجار سلطانية الفخار. وكان زوجها للنساء المغنيات زيرا فغلبت عليه فمنهن نصف هو بحبها منصف ومن عيشه بملازمتها منتصف وبمنادمتها مع الندماء منتظم مرتصف فاختار العجوز على الشابة وحسب أن الخطأ عين الإصابة ولكن الهوى ما عليه قياس ولا يتحكم من رجاءه بأي ولله في التوفيق مواهب وللناس فيما يعشقون مذاهب.
فعرف أبوها ما هي فيه من الضرة وأبت له عزة الملك الرضا بذلة المعرة فسرح أهل الارغاب وأوضح سبل الإرهاب وأبدل الإعصار بالأعصاب فبان قرار ابن أرسلان وعزب وأضطرم بتوقي التوقع واضطرب.
وكاتب سلطاننا صلاح الدين يستدني إصلاحه ويستجدي أنجاده وإنجاحه وأرسل وتوسل وأعتذر عما يقال عنه وتنصل فأرسلنا إلى قلج أرسلان رسلا لاستكفافه وتحذيره علقبة خلافه فكتب يهدد ويذكر الذنوب وينشر العيوب ويقول أبيت الحكم بيني وبينه ولا بد أن يدين ويؤدي دينه ولما صاهرته جعلت له قطعة من مملكتي فإذا لم ينزل حكمي فليعد إلى ما كان بأسمى ولينزل عن تلك الحصون ليتحصن منى بالسكون فأجبناه بأنه تركته قبلنا المنة وأن قصدته ثنينا لنصره الأعنة وكان ابن قرا أرسلان لقربه من بلاد حمية يخشاه ولا يرى من يحميه ورسله وكتبه إلينا متواصلة متراسلة وهم جيرانه وأقاربه الأرتقية وغيرهم عنه متفاصلة متناسلة فحميت حمية سلطاننا وتحركت همته وتصممت عزيمته وكان الفرنج قد جنحوا للسلم ودخلوا له في الحكم فهادنهم وفدى ابن بارزان نفسه من الأسر بمبلغ مائة وخمسين دينار صورية واطلاق ألأف أسير من المسلمين وأحضر ما تهيأ له من المال والأسارى وأحضر رهائن على الباقي والباقين وقرر على هو ابن اقومصية قطيعة مبلغها خمسة وخمسون ألف دينار وخلص الأسرى المقدمون كل واحد بقرار فلما فرغ سره من جانب الشام سار بصدق (٢٠١ أ) الاعتزام وعبرنا إلى حلب والملك الصالح بن نور الدين رحمه الله مالكها فمنعتنا من طروقها مسالكها فجزنا على قرأ حصار وعبرنا على تل باشر فأضافنا صاحبها بدر الدين دلدرم وهو سخي لد الجود والكرم ووصلنا إلى رعبان وخيمنا على نهر يقال له كوك سو وزخرت بحار معسكرنا بأمواج القباب وانباح اغراب وجاء نور الدين بن قرا أرسلان وأخوه وامتزجت النفوس وابتهجت الوجوه ودارت الأفلاك وتزاورت الأملاك واحتفل السلطان بضيافة القوم في سرادقه وتوشيع نمارقه فكون الأكوان ولون الألوان وجمع من مكارمه البكر والعوان, وبسط الخوان وسماهم الأخوان وشرفهم بنفايس الخلع وحمل لابن قرا أرسلان من الحصن والحجور الغربيات والأطواق والشخون والصياغات وأحمال الثياب المستعملات المصريات ما قوم بمائة ألف دينار وأما ما أخرجه من الخيل فلم يحرز بمقدار ولم يبق في معسكرهم راجل إلا ركب ولا عايل إلا أترب وقد نقلنا إليهم كل ما أصبحنا من أثاث ومتاع ومركوب وكراع ثم عمل ناصر الدين محمد بن شيركوه بن عم السلطان دعوة واقتدى بسلطانه في إظهار حسنه وأحسانه ثم اختار عز الدين فرخشاه بن أخي السلطان يوما للقرى وأجزل جوده وبذل مجهوده بل موجوده. واعتمد ما دخل في الامكان من الإحسان وقرت بما أبداه وأبدعه عين عمه السلطان وما زلنا مدة المقام ببذل الاذعان وجاء الأميراكبير اختيار الدين الحسن بن غفراس وكان لملك الروم الركن والأساس وأحضرني السلطان وهو عنده وأنشأت باتفاقها عهدا أكدت بالشرايط عقده وانصرف هو وأصحابه بخلع سنايا وحسنت السجايا, وأمنت الأذايا بتحف وهدايا ووثقت الألايا ووفقت القضايا.