قال: كان قد وصل صاحب أسد الدين إلى الفرات لتقرير ما يجري له من الولايات فأمر السلطان بنظم منثوره وضم نشره وكتاب منشوره فأجرى عليه جميع ما كان لأبيه وجئنا بعد ذلك إلى حمص وأقمنا واستعرضنا خزاينه واستخرجنا دفاينه وقسمنا ميراثه. وكانت أخت السلطان الحسامية زوجة ناصر الدين وهي مستحقة للثمن والباقي بين البنت والابن وخلفت عيناً وورقاً ومجتمعاً ومفترقاً ومبلغ التراث في الملك والعين والأثاث أناف على ألف ألف دينار فما أهاره السلطان طرفة ولا أمتري خلفه بل تركه على أهل التركة وأبقاه برمته لهم وأسد الدين مع صغره وإن كان شهماً لبيباً وسهماً مصيباً احتاج إلى أمير أمين يتقدم على أصحابه ويتولى مصالح بابه فرتب أميراً من الأسدية يعرف بأرسلان بوغا فولاه وأرلاده ولم يزل مستقلاً بالولاية إلى أن تفرد الأمير بالأمر لسداده وبلغ في السن مدى رشاده ونعت بالملك المجاهد وفي نسخة منشورة: وأنعمنا عليه بكل ما كان لوالده رحمه الله من البلاد والضياع والمعاقل والإقطاعات والولايات وقررناه عليه مستمراً على الدوام مصوناً من الأحداث معصومة سرايره المحصنة من الإنكاث وذلك حمص، سلمية، تدمر، وادي بني حصين، الرحبة، زلبية. واعتمد على الأمير الحاجب بدر الدين ابراهيم بن شروة الهكاري في ولاية قلعة حمص وما رأيت من الأكراد مثله ديناً ومروةً وكرماً وقوةً فأقام بها مدة حسنت فيها آثاره وشاعت بالخير أخباره إلى أن نقله السلطان إلى قلعة حلب فكان كما رغب ثم طلبه الملك العزيز في آخر عهد السلطان ورتبه في قوص. ولما فرغنا بحمص من إشغالها مرتبنا ولاة ولاياتها ونواب أعمالها عادنا هوى جلق وطيب هوائها وموافاة أندية أندائها ومعاودة جنا جناتها ومواعدة لذاة لذاتها فلما ترتبنا واستطبنا لها النشر والنشق قال لي السلطان: جرد القلم فأبد مشق دمشق واكتب إلى الأولياء وبشرهم بوصولنا فقد هبت لهم قبول إقبالنا باقبال قبولنا والحمد لله الذي أعادنا ورد إلينا برد البلاء بلادنا ولما شاع بدمشق خبر دنونا احتفل أهلها واجتمع بالمسار شملها وطلعت أعيانها ونبعت عيونها ووافت أكبارها وعونها وتطبقت على سنة الأمن بقدومنا جفونها وراقنا تلقي أود الأمل وملقى أخلاء العمل فاتفقت المتعشقة وسمعت الطليقة ودخلنا المدينة وزينة الدنيا خارجة وسكينة النعمى فارجة وكان الناس قد ساءهم خبر المرض فسرهم عيان السلامة وما ألذ الرجاء بعد الإبلاس والثراء بعد الإفلاس وانهم ظفروا في الإيحاش بالإيناس وامنوا بمشاهدة الأنوار السلطانية حنادس الوسواس واجتمع السلطان في القلعة بأهله واقلع الزمان عن جهله وشاهدنا الفضل والكرم بالمشاهدة الفاضلية وعدنا إلى السعادة القديمة واجتمع السلطان به فبثه أسراره وزاره مرة واستزاره ودخل جنته وجنى ثماره وراجعه في مصالح دولته واستشاره وعمل بما أشار به بعد أن شاء الله واستخاره وعاد الهوى وعدنا وزاد الحجى وزدنا ووفينا بما نذرنا وانجزنا ما وعدنا وأحيى السلطان سنتي السعاف والإنصاف وأجنى قطاف الألطاف وجلس في دار العدل لكشف المظالم وبث المكارم واحياء المعالم.