قال: ورحل من عسقلان على سمت القدس وقصده واستيصال نبات الشرك وحصده من أرض الله تعالى ونقدس بتطهير الأرض المقدسة بإهلاك الطايفة الطاغية النجسة وتقدمه الرعب إلى قلوب الفرنج فوقعوا في الأمر المرتج المضطرب المرتج وكان بالقدس حينئذ البطرك الأعظم وهو الشاني العظيم الشأن وباليان بن بارزان وهو وملكهم في التسلط سيان والذين أغفلتهم حياطة الحطين من الفرسان الداوية والاسبتارية والبارونية من ذوي الكفر والشنان وقد حشروا وحشدوا وقالوا: السمح عند اللقاء بالمهج ونسيح داما الدماء في اللجج وما الذي أصاب عزنا حتى نهون ونحن نشعل عليهم الحرب الزبون فأخرجوا إليهم حتى نلقاهم وهذه رماحنا بأيدينا فاجانأهم فجعناهم وأوجعناهم وأخذنا بثأر يوم حطين إذا صرنا بمراكزهم بدوايرنا محيطين فقال لبيبهم المجرب فارسهم المتدرب عدواً عن هذا الرأي وما بلغتم في الغي إلى هذا الغاي وأنتم عند مقبرة ربكم تحمونها وتقاتلون دونها والقدس لنا جامع وسورة عن السوء مانع (٢٣٥ ب) وإذا خرجنا فما ندري على ماذا نحصل وهل نقطع أو نصل ثم شرعوا في السر وأمروا بالأمر وقسموا على الأسوار الأقسام الأسراء ونشروا على كل قطر منه لواء اللواء على كل نيق منجنيقه وحفروا في الخندق حفراً عميقاً وأعادوا بل نهج واسع بما وعروا به مضيقاً وخرج جماعة منهم على سبيل اليزك وأدلجوا ليلاً وجروا للجرأة ذيلاً واعترضوا عدة من أصحابنا غارة وعلى طريق السلامة مارة، وكان قد شد من المقدمة المنصورة أمير تقدم وما تحرم وهو جمال الدين شروين بن حسن الزرزاري فلما علمه أثبت في مستنقع الموت رجله وشد من الدنيا إلى الآخرة رحله وكان في موضع يعرف بالقبيبات فساء السلطان نعيه وسره سعيه وسار ساراً وللجحفل الجرار حاراً ولم يدع لجفنه في يومه ونومه غراراً ووصل السري بالسير ليلاً ونهاراً ونزل على القدس يوم الأحد منتصف رجب وقد قضى من حق الله في طلب بيته ما جب وفي القدس ستون ألف مقاتل من فارس وراجل. وخيم في أول الأمر على غربيه وأقام خمسة أيام يدور على البلد ويقسم على حصاره أهل الجلد وأبصر في شمالها أرضاً رضيها للحصار فانتقل إلى المنزل الشمالي يوم الجمعة العشرين من الشهر متمكناً من القهر ظاهر القوة بالله قوة الظهر فشرع في نصب المجانيق فما أصبح يوم الأحد إلا على منجنيقات نصبت بلا نصب من كل مغتص برد الردا معتصب يشق الجلمود بالجلمود ويدق الصنجود بالصنجود يقضي ختام التأليف ويرضى هام الشراريف ومازالت المجانيق ترمي وترمي وتدمي وتدمي والنزال دايم والقتال قايم وفي قنطاريات الفرنج من الفرج قنوط ولخطيات اليراع بأيدي كتب الكتايب في الظهور خطوط ولشموس اليزك من أفق الترابك بزوغ ولثعلب العواسل في ضلوع الأساد ولوغ وكان فرسانهم في كل يوم يباشرون دون الباشورة أمام جموعهم المحشورة ويتطاعنون بالذوابل ذوات الذوايب المنشورة ويبرزون يبارزون ويحاجزون وينجازون ومطاعيننا المطيعون لله عليهم يحملون وهم كما قال الله تعالى " يجاهدون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون" وممن استشهد مبارزاً ولم يشهد بينه وبين الجنة حاجز الأمير عز الدين عيسى بن مالك كان أبوه صاحب قلعة جعبر. وكان في كل يوم يفرس فوارساً ويلقي ببشر وجهه وجوه المنون العوابس فاغتم المسلمون من صرعه وهان عليهم في تلف مهجته أتلاف المهج وهاجوا وهجموا أكناف الوهج وهجروا الجلد إلى الجلاد وركبوا أصناف الوهج حتى وصلوا إلى الخندق فخربوه وبددوا جمعه وفرقوه والتصقوا بالسور فنقبوه وعلقوه وحشوه وأحرقوه وصدقوا وعد الله في القتال لأعدائه فصدقوه وأرهقت المنجنيقات وأزهقت وسنحت وسحقت فتمكن رعبنا في قلوبهم وأذنت حربنا بكروبهم وعرف الفرنج إنهم مغلوبون وعن النجاة محجوبون فعقدوا بينه مشورة وقالوا ما لنا إلا الإستيمان فقد أخذ منا بخطه الخذلان والحرمان وأخرجوا كبراءهم ليؤخذ لهم الأمان فأبى السلطان إلا قتالهم وتدميرهم واستئصالهم وقال ما آخذ القدس منهم إلا كما أخذوه من المسلمين منذ أحدى وتسعين سنة فإنهم استباحوا القتل ولم يتركوا طرفاً يستزير وأمعنوا في رجالهم قتلاً ونسائهم سبياً فقال باليان بن بارزان في الحضور مستأذناً مستأمناً وباح بما بان في فكر الكفر من الشر كامناً وقال السلطان: قد رجوناك فلا تخيبنا ووصلنا فلا تصدنا وجئنا فلا تردنا ومتى استوحشنا