قال رحمه الله: لما تسلم السلطان قلعة بعلبك عاد إلى حمص وخيم ثامن رمضان بظاهرها وخيمنا في عاشره على حماه. وكان قد وصل عز الدين مسعود أخو سيف الدين غازي صاحب الموصل نجدة لها ولما عرفوا أن السلطان مشغول بالحصون تركوا وجاءوا إلى حماه فحصروها فعرفوا أنهم لا ينالون منها فرحلوا عنها. وراسل مقدموا حلب المواصلة النايب السلطاني في حماه قبل وصوله إليها أننا وصلنا للصلح والاجتماع فيما يعود بين الجانبين بالنصح والنجح فكتب إلى السلطان وهو ببعلبك يحثه ويحضه لعله يتم عقد صلح لا يتأتى نقضه فمضى السلطان في خف وجمع غير وجف وجاء للايتلاف وتنكب مذهب الخلاف فجاء من الحلبيين الأمير سعد الدين كمشتكين وشهاب الدين أبو صالح العجمي واجتمعوا بالسلطان لما طلبوا أن يرد عليهم الحصون، واستقر أن يقنع بدمشق نايبا عن الملك الصالح وله خاطبا وعلى الانتماء إليه مواظبا، وأن يرد كل ما أخذه من الخزانة وأن يسلك فيه سبيل الأمانة. فلما رأوه لكل ما يلتمس منه مجيبا، ولكل ما يستبعدونه من مرام قريبا، ورأوه في عسكر خفيف ومطمع عفيف ومجمع لفيف قالوا خبره صحيح وإن الذي يعرض له من عجزه صريح، وهو في قافلة ما أهون أخذها، فشرعوا في الإشتطاط، وجاوزوا حد الاشتراط، وطلبوا الرحب وأعمالها فقال هي لابن عمي ناصر الدين محمد بن شيركوه، وكيف ألحق به في رضاكم المكروم فقاموا متغضبين ونفروا وارتحلوا ونفذوا وراءهم من يردهم فما اكترثوا به ولا احتفلوا وذهبوا، وهم يقولون كيف نرتاح لقول هؤلاء والى متى نصبر على البلاء، وفارقنا إلى مخيمهم وربضوا تلك الليلة في مجسمهم، وأصبحوا على الرحيل إلى جانب العاصي وأظهروا أنهم على المصاف وعزم الانتصاف فعبر السلطان إلى سفح قرون حماه خيامهم وركز في مقابلتهم لمقاتلتهم أعلامه وقد أجتمع عسكر الموصل والجزيرة وحلب والسلطان ينتظر وصول أمرائه الواصلين إلى دمشق من مصر قال: فوصل في ذلك الوقت لتوفيق الله ومساعدة قدره العسكر المصري في عشرة من المقدمين الأكابر وهم تقي الدين عمر وعز الدين فرخشاه أبناء أخي السلطان، وشهب الدين محمود بن تكش خاله وخواص رجاله ووصلوا إلى المعركة أمام الزحف واقتسموا ميمنة وميسرة تقدموا زحفا وسدا واستدنوا ما ظهر بعيدا فأبصروا أولئك ما لم يبصروه وأنكرا ما لم يعرفوه، واسودت الدنيا في عيونهم وأحسوا بإخفاق ظنونهم، ونحن وقفنا وراء الصفوف نبصر عجاجهم ونسمع ضجا جهم ثخم رأينا الغبرة تبعد عن صوبنا فقلت أن النصر لحزبنا فإن الهزيمة لو كانت علينا لثارت الغبرة إلينا فكان الأمر كما ظننته، فإن السلطان لما هزمهم طردهم الخيل حتى طرد النهار الليل وسار حتى زحزحهم عن أثقالهم وأحمالهم ودوابهم ورجالهم. وحقن الدماء وسكن الدهماء ونزل في منزلتهم واستقال الدين من ذلتهم ثم سرنا ونزلنا بقرأ حصار من أعمال حلب وهناك عيدنا عيد الفطر وشكرنا (١٨٠ ا) الله على أداء فريضة الصوم واقتناء فضيلة النصر.