للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الغطاء وبصرك اليوم حديد. انظري إلى أعماق هذه البئر، لتعلمي أية سعادة تقوضين، إذا قلعت الأزهار. وستبصرين على صفحة الماء المصير المقدر لكل زهرة، بل المصير الخبيء لولدك إذا امتدت به الحياة.

وحنت على البئر، فآنست صوراً من السعادة والفرح والضحك، ثم عقبتها صور من البؤس والحزن واليأس.

فقال الموت:

- هذه وتلك مشيئة الله.

- ولكن لم أستبن فيما استبان لي ما سيقدر لولدي.

- لا أقول لك شيئاً. ولكن أطلعتك على كل ما سيحصل لابنك في الدنيا من سعادة وشقاء.

فارتمت الأم على أقدام الموت تتمرغ باكية صائحة:

- أرجوك. قل لي. هل نصيبه ذاك المصير المفجع؟ كلا، أليس كذلك؟ قل لي! ألا تريد أن تجيب؟ آه! خذه إذا لم توضح لي عن مصيره الوضوح الكافي. فلا أريد أن يخاطر ولدي في فواجع كهذه. إني أحبه أكثر من نفسي. ولا أتألم وحدي خذه إلى عالم السماوات. وانس دموعي وتوسلاتي. وانس كل ما قلت وما فعلت.

- لا أفهمك أيتها الأم! فماذا تريدين: نعم أم لا؟ هل تريدين أن أطير به إلى عالم مجهول لا أستطيع أن أحدثك عنه؟

فركعت الأم مذعنة، باسطة ذراعيها نحو السماء وقالت: لا تسمع قولي يا إلهي! إذا كان يخالف إرادتك الرحيمة. لا تسمع قولي ولا تقبل عذري.

وهوى رأسها على الضلوع بعد طول العذاب، أصفر الوجه، هامد الأهداب، كميت لم يغيب بلحده، يظللها ليل من الهم أيهم.

ثم اقتلع الموت النبتة الصغيرة وطار بها ليغرسها من جديد في الروضة المجهولة.

خالد قوطرش

<<  <  ج: ص:  >  >>