للرسم أكبر الأثر في تربي الذوق العام في ينمّي قوّة الملاحظة البصريّة ويرهف الحسّ ويوسّع الخيال ويقوّي الذّاكرة الفنيّة فيجعلها أقدر على استيعاب الصّور الجميلة وخزنها وأشدّ انتباهاً إلى جزئيّات الشّيء بعد استيعاب صورته الإجماليّة وهو يقويّ الإحساس بجمال الأشياء المرئية والإحساس بتفاوتها في الجمال، وهو ضروريّ لا غنىً عنه في عمليّة الانتقاء الفنيّ ومساعد على زيادة إطاعة الجوارح لأوامر الدّماغ، فإن اليد تسجّل فيه ما تراه العين تسجيلا فالوسيط فيه هو الوعي الفنّي.
فإذا أضفنا إلى هذا أنّ الحسّ الفنّي عند الشّعراء فيه قسط كبير من الحسّ البصري التّصويري إلى جانب الحسّ الموسيقي الصّوتي وغيره من الإحساسات المساعدة على إخراج القطعة الفنّية أدركنا شأن المشاركة بين الفنّين فكلٌّ منهما يتأثّر بالمرئيّات إلى حدٍّ كبير وإن كانا يتفاوتان في ذلك، ولكنّ أحدهما يستعمل الألوان ليعبّر عن تجربته الفنّية والآخر يستعمل الكلمات وهذه المشاركة تجعلنا نقول بأنّ الشّاعر الذي يستحقّاسم مجيدٍ مبرز لابدّ أن يكون رسّاماً في ثنايا نفسه إن لم يكن يجيد الرّسم بالفعل. وكثير أولئك الشعراء الغربيّون الذين كانوا يتقنون الرسم.
والرّسم في بيئتنا متقهقر ولعلّ الموسيقا خير حالاً منه فإننّا نجد كثيراً من العائلات يحسن أفرادها العزف على آلات موسيقيّة شرقيّة أو غربيّة مهما كان قدر الذّوق الفنّي الأصيل الذي يصدرون عنه، ولكن من النّادر جدّاً أن تجد عائلة يحسن أفرادها الرسم أو تحث طفلها على مزاولته وذلك لأنّ أفراد العائلة قد يدفعهم الطّرب إلى تعلّم الموسيقا وسماعها ولكنّ ذوق الرّسم الفنيّ أضعف من أن يدفع فرداً من العائلة إلى قضاء فراغ وقته في رسم لوحةٍ وأضعف من أن تجتمع العائلة للتمتّع بمرأى قطعة فنيّة انتخبها فرد منها، بل لا ترى جُلُّ عائلاتنا ضرورةً في أن تزور متحفاً فنيّاً أو معرضاً تعرض فيه صورٌ فنيّةٌ. وهذه هي الحال في عائلاتنا التي أدركت حظّاً لا بأس به من الثقافة، وأمّا في الأوساط الجاهلة فحدّث ولا حرج فالرّسم فيها مخالف للدين والمصور مضطرٌّ يوم القيامة أن يخنق الرّوح في صورته الميّتة وإلا كان مصيره نار جهنم. وإذا كان الذّوق الفنّي التّصويري في بيئتنا