قلت في العدد السابق أن تذوق الأدب لا يتم لمتأدب إلا إذا كان ذوقه العام سليماً نامياً، وان ضعف ذوق الطلاب الأدبي راجع إلى ضعفهم في تذوق وممارسة الفنون الجميلة الأخرى، وفي قدر كبير منه، إلى جانب عدم تعلمهم العربية بطريقة صحيحة طبيعية. وقلت أيضاً أن البيئة المحيطة بأكثر الطلاب لا تساعد على نمو الروح الفنية وبالتالي لا تساعد على رقي الفنون الجميلة وإرهاف الحس، وأن واجب المدرسة والحالة ما ترى أن تقوم مقام الأسرة أيضاً في تنمية الذوق الفني فيكون واجب المدرسة نحو الطفل مضاعفاً.
ولكن المدرسة نفسها لم تقم بواجبها في هذا السبيل، فيا اعتقدت أنا ويعتقد غيري أيضاً، ولم تسلك السبيل القويم إلى تربية ملكات الطفل والملكات الفنية منها خاصة وسأكتفي في مقالي الحاضر بالحديث عن الموسيقا مرجئاً الكلام على الفنون الجميلة الأخرى إلى الأعداد القادمة فأقول:
إن كثيراً من الطلاب فقراء فليس في بيوتهم مذياع يسمعون منه قطعاً موسيقية وغنائية بل الحقيقة الواقعة إن كثيراً من الأدباء يرون في سماع الموسيقا والغناء ضرباً من اللهو المكروه لم يكن يسمح لهم به لما كانوا بدورهم صغارا وقد ينكر بعض الناس وجود مثل هؤلاء الآباء ولكني أؤكد له أنهم موجودون وكثير عددهم أيضاً. وسواء أكان الباعث على هذا فقرهم الذي يدفعهم إلى الترويج عن النفس بالعصبية الدينية أم حب الحافظة على التقاليد والإيمان بمخالفة الفنون الجميلة للدين إيماناً صادقاً حقاً فالذي يعنيني هو أثرهم في خنق الروح الفنية في أطفالهم إن لم تتلاف المدرسة ذلك وتستأصل بروز الضعف من أساسها. والأسر التي يتوفر في أفرادها الموهبة الفنية والعزف على إحدى الآلات الموسيقية قليلة لا يعني وجودها أن الذوق الموسيقي منتشر في أوساط الناس إلى حد يرضى عنه.
ومن المفيد أن ننتبه إلى أنه ليست كل قطعة موسيقية أو غنائية تعزف على أي آلة من آلات الطرب تساعد على رقي الذوق الفني بل إن لحسن الاختيار أثره والنقد الفني الموسيقي لم ينضج بعد في بيئتنا النضوج الكافي فالموسيقا الراقية الملائمة لبيئتنا هي