لا أعتقد أني بحاجة إلى الأسباب وإطالة الكلام وإيراد الأدلة والبراهين لإثبات أن الحياة قد تغيرت عن ذي قبل تغيراً كلياً بارزاً وظاهراً للعيان وأنها بتغير دائم مستمر بكل ما فيها من قوانين وأنظمة وعادات وأخلاق وتربية وما شاكل ذلك، وأنها لا تزال تتغير وتتطور وفقاً لحاجات العصور التي مرت عليها فما كان يصلح في الأمس البعيد أو القريب لم يصلح اليوم. وما هو صالح اليوم سيصبح عديم الصلاح في الغد وهكذا دواليك إلى ما شاء الله، سنة الله في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلا. لذلك وجب على أبناء هذه الأمة أن ينبذوا الجمود ويألفوا الحركة ويتتبعوا سنن النشوء والارتقاء الكونية، ويدرسوا سير الأمم الغابرة والمعاصرة ويكيفوا حياتهم بمقتضى حركتها الدائمة وسيرها المتواصل السريع ويرافقوها ولا يتخلفوا عنها ولو قيد خطوة كيلا تسبقهم إلى الأهداف المقصودة وتستأثر بها كما شاهدناه وشاهده غيرنا من الأمم من قبل أو كما نشاهده اليوم في حياتنا الدنيا هذه لأن الطبيعة لا تعرف الوقوف بله الجمود، فمن لا يتقدم إلى الأمام يتأخر إلى الوراء، وحرام، بل إجرام، التخلف عن ركب الحضارة إذ بينما نرى بعض الأمم في عصرنا الحاضر تسير السير الطبيعي المعتاد، وتتمكن من القبض على أزمة العالم وموارده الحيوية كلها تقريباً، نرى بعض الأمم الأخرى تسير السير المخالف للقوانين والنواميس الطبيعية ولا تسايرها المسايرة التي تتطلبها الحياة الحقيقية، فتتأخر وتتأخر حتى تصل إلى آخر دركات التأخر والانحطاط والجمود من الفقر والجهل والغباوة، حتى تصل إلى درجة الذل والمسكنة والاستعباد ويستولي عليها غيرها من الأمم القوية المسايرة لروح العصر بحجج مختلفة ودواعي باطلة وأدلة غير معقولة ما أنزل الله بها من سلطان ولا يرضى ولا يقول بها إنسان فيبدأ الصراع الدائم بين الحق والباطل ويدوم ما شاء الله أن يدوم حتى تتبدد الغيوم الكثيفة وتزول الظلمة وتهدأ العاصفة ويصفو الجو ويظهر الصبح لذي عينين وتستيقظ الأمة من سباتها العميق وتشرع بإتباع سنن النشوء والارتقاء وتساير الحركة الكونية وتوفق حركاتها على قوانينها وسننها وتنهض لاسترداد حقوقها المغتصبة فتصول وتجول