إن الجواب على هذا السؤال كان سهلاً في العصور الماضية. فقد كان هناك نظام ثابت للمجتمع يقرر مقدرات كل فرد من الأفراد. إن ابن الفلاح كان مفروضا عليه أن يصبح فلاحاً. وكان الصناع يهيئون أولادهم ليحلوا مكانهم. وما زالت أكثر المحلات التجارية في سوريا حتى اليوم تنتقل من الآباء إلى الأبناء، والوظائف الدينية والحكومية أيضاً كانت وراثية، بل إنها لا تزال كذلك في كثير من الأحوال.
في مثل هذا النظام الطبقي، الذي، كانت الحياة تسير فيه على وتيرة واحدة ولا تتطور إلا بصورة بطيئة جداً، كان الإنسان يولد إما فلاحاً أو صانعاً أو تاجراً أو جندياً أو حاكماً. وكان على كل فرد أن يخضع لإرادة المجتمع ويقبل المصير الذي ينتظره كأنه قدر محتوم.
كم كانت مهمة التربية والتعليم بسيطة في هذا النظام! إن أولاد الفلاحين والصناع لم يكونوا قادرين على دخول المدارس واكتساب العلم بالمرة. إنهم كانوا في أحسن الحالات يرسلون إلى الكتاتيب مدة قصيرة ليحفظوا شيئا من القرآن ويتعلموا قواعد الدين ثم يجبرون على مرافقة آبائهم إلى الحقول أو المصانع حيث يتهيأون لمهنتهم المحتومة عن طريق التقليد والتمرين العملي، ولم يكن أبناء التجار الغالب، يتلقون هذه المعارف البسيطة عن آبائهم. وهكذا كانت معاهد العلم القليلة مقتصرة على أولاد الحكام والكتاب والعلماء الذين كانوا، بعد الانتهاء من حفظ القرآن وقواعد الدين ومعرفة مبادئ القراءة والكتابة والحساب، يدرسون إما التاريخ وتراجم الأحوال أو اللغة والأدب أو العلوم الدينية.
إن منهاج التربية والتعليم لكل واحد من الناشئين كان مقرراً ومعروفاً منذ بادئ الأمر حسب طبقته الاجتماعية ومهنة أسرته، لا حسب استعداداته وميوله.
ولم يكن يشذ عن هذه القاعدة إلا بعض الأفراد الذين يدفعهم حب المغامرة وروح الثورة إلى مخالفة التقاليد الاجتماعية وتساعدهم مواهبهم النادرة وإرادتهم القوية على أن يشقوا طريقهم في الحياة حسب ميولهم الشخصية. ولكن هؤلاء العباقرة قلائل في كل عصر ولم يكن في استطاعتهم أن يبدلوا النظام العام. إما بقية الناس فإنهم في كل وقت لا يتصفون بالإرادة