لا يفيد التاريخ إلا إذا أصبح عقلا ونورا، والدين يكون عاطفة وهدايا ورجاء عندما تسمو النفس وتتلاقى فيها نزعات الإنسانية كاملة، وتجاوب حيويتها مع اندفاعات التقدم البشري، فيتاح لصاحبها أن يجمع بين الإيمان والإبداع، ويغدو عبقريا بطبعه، ويجوز له أن يتحدث عن العبقرية. وهذا ما تم لمعالي الدكتور منير العجلاني، وزير الشؤون الاجتماعية، حين كان للشؤون الاجتماعية عندنا وزارة نافعة، فقد جاءنا اليوم بهذا السفر الممتع وإضافة إلى مؤلفاته القيمة السابقة، وأتى بالحكمة سائغة، وجعلها شعلة وضاءة، وأسبغ على حيوية العبقرية الإسلامية الخالدة صوراً تفيض بالقوة والطلاوة والوضوح.
لا نود أن نقدم للقراء المؤلف الدكتور العجلاني، فكلهم أدرى به، وكلهم أعلم بثقافته وإيمانه وأدبه، وهو لديهم الراجح عقلا، والواسع معرفة وعلماً. ولكننا نقتصر على مؤلفه الأخير، وفيه يتناول بالبحث تاريخ الحكومة الإسلامية من عهد الرسول العربي، مؤسس الوحدة القوية. وصانع الأمة العربية، وواضح حقوق الإنسان. كما يذكر المؤلف في صدر الكتاب.
لقد بحث الدكتور العجلاني في بنية الدولة العربية والإسلامية، واستضاء بمعطيات محققة من التاريخ، وأوضح في فصول من المحاضرات التي كان ألقاها أمام طلابه المعجبين في كلية الحقوق بدمشق، والتي هي نسج الكتاب. أموراً دقيقة جداً تتصل بطبقات الناس وحال المرأة والأرقاء والموالي وأهل الذمة والإشراف، ثم أتى على ذكر الحكومة قبل البعثة وفي زمن النبي وأوضح معنى الخلافة وألقابها وشعارها وأبهتها ثم ذكر شروطها وكيفية وقوعها وواجبات الخليفة وحقوقه وانتقل إلى تعريف الوزارة وصفات الوزير ومدى سلطانه وأفاض في تاريخ الوزارة وأدبهم سيما في العصر العباسي وعند الفاطميين ولم يلبث أن أوضح أصول التقليد والعزل واختيار الأمراء وأتى إلى دراسة قضية هامة هي قضية الحسبة ووظائف المحتسب وسلطانه وراتبه وآدابه، ثم اقترب من نهاية البحث فذكر الشرطة والدواوين وعرف المظالم العامة والخاصة واختتم سفره النافع ببحث تاريخي