فصل من قصة أجواء للكاتب الفرنسي الكبير أندره موروا التي يعدها المعرب للطبع
هناك أمراض تبتدئ رويداً رويداً بنوبات من الاضطراب خفيفة متوالية، وهناك أمراض أخرى تظهر فجأة ذات مساء بشكل نوبة عنيفة من الحمى، ومرض الغيرة الذي انتابني، كان من النوع الثاني الفجائي العنيف. وإذا حاولت الآن، وقد نلت الشفاء، أن أفتش عن أسباب المرض، فإني لأجدها عديدة مختلفة. قبل كل شيء يأتي عامل الحب الكبير والرغبة القوية في أن أحتفظ لنفسي بكل العناصر الثمينة التي تشكل كيان أوديل: من وقت وحديث ونظرات وابتسامات. . . على أن هذه الرغبة لم تكن كل شيء، إذ عندما أكون وحيداً مع أوديل في سهرة أو رحلة، فإنها لا تلبث أن تتذمر وتتشكى من أني أعنى بكتبي وتدوين خواطري، أكثر مما أعنى بها وألتفت إليها. أما عندما يتاح لها الاتصال بالآخرين، فإني أشعر عندئذ برغبة الاستئثار بها، ومرد هذا الشعور كبرياء كبير مقنع بشيء من التواضع والحيطة.
فأنا أود أن أسيطر على تفكير أوديل، كما أسيطر على المياه والآلات الكثيرة التي تنزلق فيها عجينة الورق البيضاء، أريد أن أطلع على ما يدور في ذلك الرأس الصغير، كما أطلع، ببيانات مطبوعة واضحة، على معدل الإنتاج اليومي من الأسبوع الأخير.
كم أشعر بالألم الممض يهيجه في نفسي ذكر هذا العامل في نشوء الغيرة والذي أراه أصل البلاء ومبعث الداء. إنه دافع قوي من حب الاطلاع العقلي الحاد. أنا لا أصدق أنني لم أستطع فهمها وسبر أغوارها، مع أن فهم أوديل أمر شاق عسير، ويخيل إلي أنه باستطاعة أي رجل، إذا أحبها، أن يحيا بقربها دون ألم أو عذاب، وكان يخيل إلي أيضاً بأن الغيرة ما كانت لتعرف طريقها إلى نفسي لو كانت أوديل على غير تلك الحال. فالمرء لا يولد غيوراً بالطبع، بل يحمل فحسب استعداداً لقبول جرثومة هذا المرض الوبيل. ولكن أوديل كانت تثير في نفسي، دوماً، كل عوامل حب الاطلاع عن طبع عفوي فيها لا عن إرادة وتصميم. إن الحوادث اليومية هي خطط واضحة متسقة بالنسبة إلي وإلى كل فرد من أفراد أسرتي، فيكفي لأن توصف بدقة وصدق حتى تأخذ عناصر الحادثة موضعها بجانب بعضها بعضاً