لم يكن حق التأليف معتبراً من الحقوق في العصور القديمة، ولم يظهر بصورة عملية وواضحة إلا في أواخر القرن الثامن عشر.
وقد اختلف الفقهاء والمشرعون في طبيعة هذا الحق القانونية، وفي نطاق أي نوع من أنواع الحقوق يمكن إدخاله. فاتجهت الآراء واتفقت وجهات النظر، في أواخر القرن الثامن عشر على اعتباره في نطاق حق الملكية. وقد وجد بعض العلماء، إن اعتبار حق التأليف حق ملكية، لا ينطبق تمام الانطباق على الواقع، لأن حق الملكية حق يتصف بصفة الديمومة، بينما حق التأليف موقوت لمدة معينة، يعود لمؤلفه ولورثته من بعده، حيناً من الزمن محدوداً، ثم يخرج عن ملكيتهم ليصبح حراً للناس أجمعين. ولذا اعتبره بعضهم امتيازاً للمؤلفين، نالوه مكافأة على ما أسدوه من عمل، وما أنتجته أقلامهم وما الفته أفكارهم. على أن أفكارهم بعضهم اتجهت أخيراً إلى أن اعتبار هذا الحق امتيازاً لا يتفق واعتباره حقاً للمؤلف، كما إن الامتيازات لا يقتضي ما يقتضيه الحق من صيانة ورعاية.
وقد ظهرت آراء معتدلة بين هذه الاختلافات العنيفة، تقضي بأن حق التأليف هو حق، وإن حمايته هي حماية لنشاط الفكر الإنساني، الذي يظهر فيما يبتكره من مؤلفات فنية أو أدبية أو علمية. تجول في فكره وتختمر على الأيام في نفسه، فيخرجها قطعة من قلبه، ويضعها في متناول يد الجميع.
وقد فاز هذا الرأي المتوسط فوزاً مبيناً في الأعوام الأخيرة، في أكثر التشريعات الأوربية.
على أن الدول لم تتفق على الأسلوب الذي تبني عليه حماية حق المؤلف. فهل يعتبر المؤلف حقاً للمؤلف يستغله بالشكل وبالصورة التي يريدها؟ أم إن للجماعة حقاً على التأليف لا تتنازل عنه؟ أم أنه حق للمؤلف يحميه القانون بقدر ما فيه من مصلحة الجماعة؟
إن الدول التي تأخذ بالمبادئ الفردية تعتبر، في حماية حق المؤلف، إن التأليف مظهر من مظاهر الشخصية الإنسانية، فتضمن للمؤلف أن يبقى سيد إنتاجه الفكري يستثمره ويستغله بالشكل والوجه الذي يريده ويبتغيه.
ولكن المبادئ الفردية تراجعت أمام المبادئ الاجتماعية، التي ظهر أثرها في التشريع