يعدّ فيثاغورس، برأي شيشرون، أوّل من لقّب بالفيلسوف لأنّ القدماء كانوا يطلقون، قبل فيثاغورس، لقب الحكماء على أولئك الرجال الذين جهدوا لوضع أسسٍ ثابتة للجماعات البشرية، وعلى المفكّرين الذين كانوا ينشرون بين الناس تعاليم العقل ويدعونهم لتحكيم المنطق، والشّعراء الذين كانوا يشيدون بأناشيدهم بفضائل الأجداد وأعمالهم المجيدة الباهرة ثمّ على أولئك المتشرّعين الذين خدموا الحضارة بدعوتهم لسيطرة القانون والقدّيسين والصّالحين الذين توصّلوا لكشف النّقاب عن سرّ الطمأنينة النّفسيّ والراحة الفكرية، فاستطاعوا أن يشيعوا في قلوب النّاس الأمل الحلو في حياةٍ أخرى حيث الراحة والسعادة والخلد. وعلى هذا الاعتبار عرّف شيشرون الحكمة القديمة تعريفاً تقليديّاً فقال: الحكمة هي علم معرفة الأشياء الإلهيّة الروحية والبشرية الحسّيّة ثمّ معرفة العلل والأسباب التي تسيّر هذه الأشياء. ولقد أخذ بهذا التّعريف كلٌّ من سينك وباكون وديكارت، حتى سبينوزا نفسه قد تأثّر بهذا التعريف عندما قال: غاية الفلسفة الأولى معرفة أثر الحكمة الإلهية في تسيير نظام الكون.
أمّا فيثاغورس فلم يشأ أن يصطنع لنفسه لقب الحكيم بل ارتضى، بكلّ تواضعٍ، بلقب الفيلسوف معناه الباحث عن الحكمة أو محب الحكمة.
والحق فإنّ هذا الحكيم الكبير كان يمارس علماً تامّاً من شأنه إرضاء نهم العقول المتفتّحة وإشاعة السكينة والطّمأنينة في النفوس القلقة، وغية هذا العلم معرفة لمبادئ العليا التي تسيّر العالم والقوانين الثّابتة التي تربط بين الإنسان والطبيعة ومن ثم معرفة النّظام الإلهي الكامل الذي يسود هذا الكون البديع ذا السماء الساطعة والكواكب المتلألئة.
على أنّ هذا العلم، كما يقول سينه، فوق متناول البشر وهو محرّمٌ عليهم، لأنّ ما نسمّيه بالحكمة هو من خصائص الذّات الإلهيّة، أمّ إذا تاقت نفس الإنسان إلى الحكمة وقويت فيه الرغبة في تلمّس آثارها، فلا يستطيع الظّفر بها في حدود الكمال المطلق، ولكن كلّ ما يشعر به من شوقٍ ملحٍّ للحكمة وما يبذل من جهدٍ جريءٍ للوصول إليها، يعدّ فضيلةً بحد ذاته، وإنّ ذلك التّوق الشديد إلى المعرفة والكمال بفرض مبدأ وجود ذلك العلم السماوي