انظر أيها القارئ إلى نفسك وإلى الناس حولك، تجدك وتجدهم على إيمان بالحرية التامة، وفي كل شيء، بل على الأقل في كل شيء من نطاق الفن والذوق، ولكنك واهمم في ذلك، مثلهم ومثلنا ونحن كلنا واهمون.
نساؤنا
بعض نسائنا يرتدين زاهيا، ويسفرن عن وجه جميل صبوح، وبعضهن يلبسن الحجاب كثيفا أو بعض كثيف، وبعضهن يرفلن في متحف من الألوان المتحركة الواضحة من الرأس إلى القدم، فإذا عرض لك منهن جمع غفير وجدت شبكة لونية تتماوج في الشارع تحت ناظريك، وسمعت همسا متفاوتا في الانسجام، وخيل إليك إن المرأة ليست ذاك الإنسان الوديع العاجز القاصر، الذي كنت ترجو، فلا الدار معبد المرأة، ولا المغزل سلاحها، ولا تربية الصغار غرامها، بل هي موجود يعنى بالظهور، ويعنى بالحركة، ويعنى بالاجتماع، وهي على كل حال موجود ينتج الاستهلاك في حقل الاقتصاد.
قد لا تروقك هذه الحرية عند المرأة، إن كنت تكره مبدأ المساواة، وقد لا تكفيك هذه الحرية الابتدائية بل الأولية إن كنت ممن يعشقون الرقي والحضر في المدينة، ولكنك في الحالتين واهم إذا ظننت أن الحرية تامة لك فيما ترفض أو تريد، أو للمرأة فيما هي أو فيما تعمل، وإنك في الحالتين لن تجد المجال واسعا رحبا، ولا الحرية حقيقة صحيحة، إلا في ميدان الفكر والنظر فحسب.
شبابنا
والشباب من رجالنا، أي الأحياء من قومنا، اقتحموا حريتهم اقتحاما، وغزوا بالجهد وبالمناسبة وباغتنام الفرص السعيدة عالمهم الذوقي، وانطلاقهم الفني، فقد كنا نتزك الحرية لكل شخص مثلا فيضع طربوشه مائلا إلى الأمام، أو متداعيا إلى الوراء، أو متكئا على إحدى الأذنين ذات اليمين وذات اليسار، وقد كنا نرغم كل يافع وشاب على احترام ذوق الناس بلباس رأس فارغ أحمر قاني، غير أن الحرب الثانية قد أتت، ثم ذهبت، فتحررت رؤوس من الظاهر عند الشباب، وأصبحنا نؤمن بحرية الإنسان التامة في الزي، وأصبح