للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الأرقام]

للدكتور عادل العوا

أغلب الظّن أن الإنصاف يقتضي وضع الأمور في مواضعها، وإعطاء ذي الحقّ حقّه، ومن الإنصاف ألاّ تعتب الإنسانيّة الطّيبة على مؤسّسها الصالح، الأب آدم الأول، وألاّ تكثر لومه وتأنيبه، فقد حدّثنا العهدان القديم والجديد، السابق واللاّحق، عن خطيئة اقترفها آدم المسكين، وهي خطيئة الثمرة الممنوعة، وقد اقترفها في ظروف مخفّفة جدّاً، من إغراء وتشويق، ومن إرضاء ولميل فطريّ نحو المعرفة بالخير والشر، وعندنا أن هذه الخطيئة ليست سيّئة جدّاً، بل هي، على كلّ حال، بسيطة جدّاً إذا قيست بجرائم أدبيّة كبرى اقترفها بنو آدم من الإنس، وأخصّ منها بالذكر اختراع الأرقام.

لقد لُعنت الأرض، وهبط آدم من جنّة عدن إلى شرقي جنّة عدن، أو إلى مكان من كرتنا الحاليّة، وأصبح بالتعب يأكل أيّام حياته، وبعرق جبينه يتغذّى حتّى يعود إلى التّراب، وشاركه أبناؤه العناء والشّقاء، والأرجح أنّ آدم المسكين لم يكن خبيثاً ولا شرّيراً، بل خيّراً محترماً، فقد فبل الجزاء راغباً، ولم يفكّر في طلب الانتقام، ولم يعمد إلى التّشفّي في طلب الانتقام، حتّى من تلك التي غررت به، وهي منه، فجعل المرأة شريكته وعونه وأمّ أولاده ووالدة الإنسانيّة، وفي هذا كثير من النّبل حقّاً، وفيه من السّذاجة ما يليق بآدم الأول، غير أنّ حبّ الثّأر والانتقام إنّما وجد فيما بعد، لسوء الحظّ، وأصبح الشّر يسيطر على النّفس الإنسانيّة ويحملها على التسلّط والنّفوذ، فسعت إلى استبدال جنّة آدم بجنّة الأرض، والاستعاضة عمّا فات بما يوجد، وكان أن صنع الإنسان سلاحاً عجيباً، فيه القوّة وفيه الضعف، سلاح الإنسان على صورة خلقه، وهو سلاح الأرقام.

خطأ وضلال

سمعت البارحة شخصاً يقول لصاحبه، وهما يمتطيان سيّارة، أن العقل السّليم في الجسم السليم، فيجب أوّلا العناية بالجسم السّليم. وثار بينهما خلاف ونقاش، فهل يؤخر الأوّل أو يقدّم الثاني، ولست أظن خصومتها سوى الأرقام، أيعني الإنسان بجسمه أولاً حتّى يصبح الجسم سليماً ثمّ يعني بروحه، أم العكس أسلم وأصحّ؟ وعلا حديثهما، واشتدّ الدّفاع عن الرّأي، وفسد الهواء، وإذا بشيخ مهيب، ولكنّه شاب العمر، ضخم الرأس، قوي العضلات،

<<  <  ج: ص:  >  >>