على جبهة آسية الغربية، بين جبال طوروس شمالاً وبحر عمان جنوباً، وبين البحر المتوسط وذراعه الأحمر غرباً، وجبال زاغروس والخليج الفارسي شرقاً، نبتت دوحة العرب وامتدت بفروعها نحو الغرب وشملت وادي النيل وتجاوزت بلاد الأطلس إلى ما وراء البحار.
إن هذه القارة الصغيرة التي نسميها آسية العربية رغم امتدادها على ٣٠٠٠ ك م طولاً و١٤٠٠ ك م عرضاً، نراها تؤلف وحدة جغرافية تتميز بوحدة البناء الأرضي وبساطته، ووحدة الإقليم وطراز الحياة وإيلافه رحلة البداوة واستقرار الحضارة.
ويتوج رأس هذه البلاد العربية الهلال الخصيب الذي يعتمد في حدوده الغربية على ساحل البحر المتوسط ويلامس في الجنوب الشرقي أعماق الخليج الفارسي. في هذا القوس الأرضي نشأت أقدم المدنيات التي عرفها الإنسان، وتوالت فيه على مدى الدهر حوادث متموجة غيرت طور الحياة، وفي كل منها ساهمت سورية بأوفر نصيب فكانت سورية أرض التاريخ ومهد الإنسانية.
وسورية إن كانت تبدو لنا في هذا المجموع بلداً صغير المساحة، قليل السكان إلا أنه كان وما زال وسيبقى قلب العرب النابض، المملوء بالحياة، والمتطلع دوماً وأبداً إلى حياة أتم وأكمل. غير أن وضعه الجغرافي كثيراً ما جنى عليه. فهو بالنسبة إلى حياته الخاصة، مسرح نزاع بين نظام البادية وتأثيرات البحر المتوسط، وإلى حياته العامة، جسر عبور بين قارات العالم القديم، تمر عليه الشعوب الفاتحة بلا انقطاع في سبيل النصر الحاسم أو الخسران المبين، وتترك فيه آثارها كما تتجمع الرسوبات في قاع البحار.
فلا غرابة إذاً إذا تجمعت في هذه القطعة الصغيرة من سطح الكرة المتناقضات المختلفة وانعكس صداها على بنائنا الاجتماعي فغلبت عليه الفردية وعاش فيه القديم إلى جانب الحديث رغم التطور الذي نلمس آثاره ولا سبيل إلى نكرانه.
ولذا فان جهد بحثي هو أن أعرض دراسة تحليلية أشرح فيها العوامل التي أدت إلى واقعنا