يسمو المرء في أفكاره وآراءه، ويعلو في معارفه وتأمّلاته، سواءً مع تدرّجه في درجات الدراسة والمطالعة، أو مع نشوئه ونموّه في فصول السنّ والأعمار، كلّ هذا يراه إذا ما عاد وتأمّل ذاته، وتعمّق في شخصيّته، يعود إلى عوامل عديدة، أسماها ما فطر عليه من حبّ السؤال والاستطلاع، ولذّة المحادثات والمحاورات، التي تمكّن الفهم والإدراك، وتقوّي الحكم والمحاكمة، وتزيد الإمعان والتّذوّق في العقول والنفوس.
يتبيّن لنا من ذلك أنّ أهمّ ما يجب أن يلجأ إليه المربّون والمربيات، والمعلّمون والمعلّمات، في تلقين ناشئتهم العلوم والعرفان، والفضائل والأخلاق، هو السؤال والتّحدّث وقد بحثنا في لمحةٍ سابقةٍ عن ذلك، أما الآن فإني أرسل بنبذةٍ عن كيفيّة انتقاء السؤال والفن في اختياره.
يتطلّب السؤال كثيراً من الحذاقة، وكثيراً من الإمعان، إذ هو فنٌّ حقيقي. ولنلاحظ ما فيه من الخصائص الدقيقة.
١ - يجب أن يكون السؤال واضحاً، وذا قيمةٍ: كيف يستطيع التلاميذ الردّ على سؤالٍ محدودٍ، في نتيجةٍ مظلمةٍ، أو فكرةٍ مبهمةٍ، في حين أنّ الأستاذ نفسه من المحتمل أن يلاقي صعوبةً في الإجابة عنه! إنّ الأسئلة العامة الغامضة توقع التلاميذ في حيرة وارتباك عظيمين، كيف نطلب إليهم أن يجيبوا بصورة واضحة وتامّة عن أسئلة كهذه؟ ماذا قلنا في المرة الأخيرة. . .؟ أو ما هي الممالك المشهورة. . .؟ أو ماذا تعرفون عن مجلس الإدارة. . .؟
يفهم من ذلك أنّ الأسئلة التي تعطي إنتاجاً حسناً، وتقدّماً محسوساً في الصّفّ هي غالباً ما تكون حسب منطوق مادّة الدّرس، المستوحاة من عناصره الأساسيّة، فالمعلّمون هم الذين يبذلون قصارى جهدهم لجعل أسئلتهم نيّرة وواضحة، فيخرجون الدرس معها بأجمل صورة، ويجعلون الوقت المكرّس لها كفرصةٍ معدّةٍ للراحة تتناحر فيها الأذهان، دونما قسوةٍ أو قصد.
٢ - يجب أن يكون السؤال جذّاباً ومنطقيّاً: السؤال الواضح، الغضّ، المملوء طلاوةً، وتفسيراً جذّابين للدرس والتّمارين - لاشكّ - أنّه سوف لا يملك قسوة الغصن اليابس الذي