لم تكد تهب علينا من ديار الغرب نسمات الحرية في أواخر القرن التاسع عشر حتى قامت في بلادنا العربية حركة الاستقلال والتحرر من نير الترك بعد أن رزحت تحته طويلاً. غير أن هذا الغرب لم يكن ليأخذ بيدنا في سبيل الحرية للتخلص من العثمانيين إلا ليوقعنا في قيود القسر والعسف والاستعمار.
على أن نفوسنا وقد استيقظت من سباتها العميق وتفتحت للحياة وآمنت بحقها،
لم يعد من السهل الضغط عليها، ونهضت تكافح في فترة ما بين الحربين حتى كانت حوادث مايس ١٩٤٥ التحررية وكان منها أن توج النضال بالفوز وحرزنا على الاستقلال.
وكما أن ربان السفينة بعد هبوب العاصفة وتلاطم الأمواج يتفقد رجاله وما
أبقت ثورة الطبيعة من أجهزته وأدواته، فمن الطبيعي أيضاً أن نتساءل ونحن في وضعنا الحاضر عما سلم من تراث الماضي بعد أن نالته أيدي الدخيل بالسلب والنهب والتهديم. ومن الطبيعي جداً أن يفكر كل منا وخاصة قادة الفكر حملة المشاعل في حل المشاكل المعلقة والصعوبات التي نجتازها ككل أمة ناشئة تتطلع إلى الحياة من جديد. وليس ذا بغريب لأن تاريخ كل أمة من الأمم كجسم الإنسان لا يكون سليماً في غالب الأحيان، فكثيرا ما تعترضه عقبات وأزمات وحوادث تضعف جسمه فيمرض إلا أن هذا المرض يمكن شفاؤه إذا أحسن تشخيصه وأعطيت إليه الإسعافات والأدوية الناجعة.
ودراسة التاريخ ترينا أن ما من حرب أو مقاومة وطنية أو حركة قومية مرت بأمة إلا وكانت مسبوقة ومتبوعة بحملات صحفية منظمة يقوم بها طائفة من رجال العلم والفلسفة والأدب، حفظه التقاليد وحارسو الكيان الوطني من الضياع.
وأسند هذه الحملات قوة يتجلى عندما يداهم الوطن خطر أو تنزل به نازلة تفقده وعيه فيضل السبيل. هنالك يقوم أهل الرأي يشمرون عن سواعدهم ويعمدون إلى قرائحهم تملي على أقلامهم ما يهيب بنشاط الشباب ويستفز حماسه ويرفع همته، نراهم ينظمون جهود هذه العناصر الفتية في أقنية ويوحدونها طبقاً لبرنامج قومي نبيل شأنه استرجاع الماضي أن فقد أو دعمه إذا تداعى أو بناؤه إذا انهار. هذه الحملات نراها تتجه لا في سبيل الدفاع