لكلمة (بسيشه) في اللغة الإغريقية معنيان، يدل الأول منهما على الروح أو المبدأ الذي يسير حياة الإنسان والكائنات والعالم، ويشير الثاني إلى نوع من الفراشات التي يجذبها لمعان النور فتحرق أجنحتها على لهيبه. وقد امتزج هذان المفهومان في الفكر الإغريقي منذ أقدم عصور المدنية الهلنية، وهذا ما جعل هوميدوس والفلاسفة الذين عاشوا قبل القرن السادس قبل الميلاد، ينظرون إلى الروح ككائن حي يعيش في جسم الإنسان مدى الحياة. ثم ينفصل عنه بعد الموت ويظل يطوف هائما محلقا فوق مملكة الأحياء حتى تفتح أمامه مملكة الأموات وتضمه نهائيا إليها. ولا يكون ذلك إلا إذا تخلصت الروح من شرائط الحياة الدنيا وتطهرت من أدرانها، وعندها تصبح حرة وتعيش كالإله الذي تنحدر منه.
ولما أتى أفلاطون تمثل كل هذه الآراء وأوضح بمنطقه البارع وظيفة الروح المتوسطة وطبيعتها المركبة. فهي في نظره جني من الجان شبيهة بالحب، ومادتها علوية وآلهية ووظيفتها أن تكفل دوام الحياة وتؤمن سير الصيرورة، ولعرض هذه النظرية لجأ أفلاطون إلى طريقه الفلسفية التي تستخدم للتعبير عن غاياتها عناصر ميثولوجية قصصية فزعم أن الروح تهبط على الأرض وتحل في الجسم الإنساني فتفقد جناحيها اللذين كانا لها عندما كانت من طبيعة الآلهة وذلك لأنها لامست الجسم الفاني، فيتأمن من هذه الملامسة الاتصال بين المحسوس والمجرد وينشأ الحب من هذا الاتحاد وهو ضروري للروح لأنه التعبير الحي عن العاطفة الدينية، على أن طبيعة الروح الآلهية تأبى عليها أن ترضى بانحطاطها الموقت فتوجه أنظارها إلى السماء وتنزع إلى الانطلاق في الفضاء كأنها العصفور على أنها قبل خلاصها من سجنها الأرضي، وقبل استعادتها جناحيها يتحتم عليها أن تتطهر وتنقشف وتكفر عن الأخطاء التي ارتكبتها في حياة الدنيا، ويضيف أفلاطون إلى ذلك في كتابه (فيدر) أن الحب ضروري لها خلال تطهرها وتقشفها، فيجب أن تكتوي بنار الميول