والأهواء، ويلزم أن تتعذب بلذتها الطيبة قبل أن تعود إلى أصل الجمال الآلهي الذي انفصلت عنه، ثم يصفها في هذه المرحلة فيقول عنها أنها متأثرة وقلقة وفريسة لآلام تشبه آلام الطفل الذي يعانيها لدى ظهور أسنانه الأولى، وأخيرا تتحول آلامها إلى اختبارات وتجارب لها، وينقلب الحب البشرى إلى حب آلهي ولا تلبث أن تمتزج به، واجتماعهما هو السعادة التي يحلم بها الناس بعد الموت.
وقد انتشرت هذه الآراء الفلسفية انتشارا كبيرا منذ القرن الرابع ويضيق المقام عن ذكر جميع الإضافات التي أتتها من الفلاسفة ومن المذاهب الفلسفية المتأخرة، ونكتفي بذكر ما زعمه (أرسطو) في نظريته (العقل المفكر) بأن الروح تتصل بالفكر لطبيعتها الخالدة وبما لها من قرابة مع الآلهة، ولكنها تبقى مستقلة أبدا، ويضيف الفلاسفة الرواقيون: إنها تستمر على اتصالها بالقانون العالمي الذي هو الآلهة وأنها تبقى جنياً للحياة الإنسانية.
وفي العصر الهلنستي أصبح شيوع هذا الاعتقاد يعادل شيوع المذاهب الدينية الكبرى ويدل على ذلك قصائد الشاعر (ماليا كر). وقد نشأت بعد ذلك بقليل أسطورة إيروس وبسيشه التي نجملها بما يأتي:
كانت بسيشه أميرة ذات جمال بارع لم لامرأة بشرية أن تمنح مثله فحسدتها أفروديت ربة الجمال وكلفت ابنها (إيروس) آلهة الحب أن يقتص منها. فأوحى إلى أبي بسيشه، وهو ملك، أن يقود ابنته إلى قمة جبل ليفترسها وحش كاسر، وإلا فتنصب على مملكته مصائب ليس له قبل بها. وكان أن نقل بسيشه إلى حيث طلب أن تكون، وجعلت تنتظر على صخرة، خائفة مذعورة، دنو أجلها، حتى شعرت بأن النسيم يحملها إلى قصر فخم البناء أقامت فيه حتى حان الليل، وعندما أوشكت أن تستسلم إلى الكرى، إذا بكائن غريب تلفه الظلمات الدامسة يظهر إليها ويخبرها أنه زوجها الذي قسمته لها الأقدار، ولم تستطع أن ترى وجهه غير أن صوته كان عذبا مكلماته مملوءة بالحنان، وقبل أن ينبلج الفجر اختفى الزائر العجيب بعد أن جعل بسيشه تقسم أنها لن تحاول أن ترى وجهه أبدا.
وتمر الأيام فتألف بسيشه الإقامة في هذا القصر الذي لا ينقصه إلا وجود الذي أصبح زوجها، لأنه لم يكن يأتي إليها إلا في الليالي السوداء الحالكة، وتوشك سعادتها أن تدوم لولا شقيقتها اللتين تريد الأسطورة أن تتصلا بها وتطلعا على حياتها، فيقولان لها إن زوجها