للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[العروس]

للآنسة نور الهدى محروس

بدأ الهواء يتحرك قليلاً قليلاً قبل أن تهتز النواقيس بفترة وجيزة، وأخذ النسيم يحدث تبدلا عظيماً لا في الأصوات والألوان، ولا في الروائح والعطور، بل في شيء آخر هو حفيف جسم العصافير الحار، في زاوية من سماء باريز حيث ينساب نهر السين على مقربة من كنيسة (نوتردام).

وكان رجل قد اضطجع ليلا في شق من شاطئ النهر. وقد اختار حفرة مستطيلة بين الأحجار تمدد فيها واستسلم للنوم، في تلك البقعة حيث اعتادت الشمس أن تنصب خيمتها الذهبية الفاترة، وقد مضى الليل وهذا الرجل طريح الأرض، وما كاد يفتح عينيه لنور الغد حتى تراءى له الفضاء الرهيب، الموحش رهبة وقسوة، وكانت الغيوم تتراكض مسرعة وقد راح الهواء يطردها ويدفعها إلى الأمام دفعاً لا هوادة فيه. وتمتم الشريد مخاطباً نفسه فقال:

_ يا لك من يوم رديء!

فما راعه إلا صوت يجيبه

_ بل قل. . يا لك من يوم بديع.

وأدار الشريد رأسه على طريقته الخاصة وقد ظهرت عليه سيماء الملوك بثيابه الممزقة المهلهلة المسدلة على جسمه الهزيل بأناقة ونبل، ونظر ملياً إلى قارع الأجراس وقد اتكأ على مسافة قريبة منه ثم نظر في كتاب (الأفكار) لباسكال وأخذ يقرأ.

وود قارع الأجراس أن يعبر عن احتقاره لهذا الشريد فاقترب منه متحدياً وقال: يوم سعيد يا سيدي.

وبسرعة البرق تذكر الشريد أن الأجراس ستقرع بعد هنيهة، فاخفي رأسه في حقيبته القماشية التي كان يستخدمها كوسادة للنوم.

وجمد في مكانه لا يبدي حراكا بينما سد أذنيه بأصابعه بقوة وعصبية وقد اخذ قلبه يضرب كمطارق الحداد ويتصارع مع أضلاع صدره البارزة.

انتهت هذه الفترة الوجيزة الرهيبة فصعد الرجل الدرج متكأ على حاجز الجسر وقد ظهرت

<<  <  ج: ص:  >  >>