للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أمامه كنيسة نوتردام بعظمتها الجبارة، كأنها كائن متعجرف ينفس بصعوبة ويزخر صدره بالحقد والضغينة بينما غاصت جدرانها في الماء الباسم الشاحب وقد غطاها اللبلاب السابح. وابتعد الرجل وهو يجر قدميه جراً. كان هيكله المنحني يوحي بان أعضاءه لم تركز في مواضعها المعينة فقد كان احد ذراعيه اقصر من الآخر وقد انخفض كتفه الأيسر نسبياً كما انه ليمكن القول بأن ضربة قوية قد أزاحت فكه الأسفل عن موضعه الأصلي فرد على ذلك اللحية الغبراء والوجه الشاحب والهالة السوداء التي تحيط بعينيه الكسيرتين. وعرته رعشة قوية ولج احد الأزقة الصامتة حيث لا تصل أشعة الشمس بسهولة وتابع سيره ورأسه غارق بين كتفيه وقد تملكه الفزع من أن تفاجئه الأجراس بأصواتها القاسية مرة أخرى لإحياء هذا اليوم. . . يوم عيد الفصح فهو يود أن يدفن هذا اليوم ويواريه النسيان قبل أن يحيا. وراح يسير على غير هدى إلى أن ساقته قدماه إلى شارع تطل عليه الواجهة الخلفية لإحدى الكنائس وقد ربضت كأنها فارة ضخمة عاتية بلون الرصاصي وما أن رآها حتى دار على عقبيه بسرعة ليعدل عن الطريق وللحال ألفى نفسه وجهاً بوجه أمام عروس تسير خلفه بخطى وئيدة وقد ارتدت حذاء مخمليا ناعماً. كانت تتكسر وتتعطف وقد ظهر وجهها الملألئ من تحت برقعها الشفاف البضة فقد أخفتها في قفازين مصنوعة من خيوط بيضاء.

نظر إليها الرجل نظرة حادة جعلتها تتسمر في مكانها وقال لها:_كم تشبهين سيسيل؟. . فهل أنت سيسيل تعود إلى الأرض من جديد؟

وبعد فترة من التردد أجابته العروس الصغيرة بان لا إذ شعرت بحاجة لان تقول له نعم كي تواسيه. ولكنها أخيرا تمتمت:

_ لقد أخطأت يا سيدي. . فانا لست سيسيل بل أنا نيومي بيسون وقد كللت هذا الصباح فقط ونظراً لكوني وحيدة في منزلي فقد تحتم علي أن أهيئ الطعام بنفسي وان اجلب ما يلزم لذلك من السوق، وقد عرض علي (جان لويس) _اعني زوجي_بان يصحبني ولكني رفضت لأنني أفضل السير وحدي. . .

وفي هذه الأثناء قرعت الأجراس ونظرت الفتاة في وجه الشريد فإذا بعينيه وقد احمرتا حتى أصبحتا كالدم تجول فيهما الدموع. فحيته قائلة: الوداع يا سيدي وليحرسك الله. . .

<<  <  ج: ص:  >  >>