يختلف تفسير الجمال باختلاف النظر الفلسفي إليه. فالمثاليون يرتأون رأياً في الجمال غير رأي أهل التطور. والماديون ينحرفون في تصورهم للجمال انحرافاً ملحوظاً عن رأي أهل التطور. ولعل سائلاً يتساءل في هذا العدد: أليست الفلسفة المادية هي نفس فلسفة التطور؟ ولا خفاء أن الفلسفة المادية هي قريبة من فلسفة التطور غير إنها تختلف عنها اختلافاً في معظم خطوطها الكبرى، والعناصر التي ترتكز عليها فلسفة التطور هي متغايرة عن العناصر التي ترتكز عليها الفلسفة المادية، ولذا كان من ابرز الأخطاء العلمية هي المزج بين الفلسفتين، هذا الخطأ الذي وقع فيه كثير من الشرائح وجهابذة العلم الحديث أمثال بختنر في الغرب والدكتور شبلي شميل في الشرق.
والواقع إننا لا نحاول هنا لتفريق بين الفلسفتين، وإنما حاولنا أن نزيل الالتباس فيما فسرنا الجمال على ضوء التطور، ولئلا يذهب البعض في الظن بأن تفسيرنا التطوري إنما هو نفس التفسير المادي.
ترى فلسفة التطور إن الجمال هو الغاية القصوى التي يسعى إليها النشؤ الأدبي والعضدي معاً. ولا مراء إن غاية العضديات في سيرها التطوري أن تبتغي الجمال وتهدف نحوه. ومن الظاهر إذن تبعاً لهذا النظر إن الأحياء كلما ارتقت في مدارج التطور كلما سمت جمالاً وتدرجت في مراتب الجمال ونسبه. فالجمال هو العامل الحافز والمشوق للأحياء العليا في سيرها التطوري ابتداء كما انه الهدف التي نسعى إليه انتهاء. والواقع إن هذا يجري بصورة لا شعورية إذ إننا نرى أن الانتخابات الطبيعي يهدف في معمعة التناحر على البقاء للحصول على الأقوى والأنسب بين الأفراد.
ومفهوم فكرةبقاء الأنسب هو بقاء الأقوى والأصلح بين الأفراد من ناحية الجمال الجسمي والعقلي بعد معركة التنازع على البقاء. ولعل عنصر الجمال الجسمي يظهر أثره بصورة ابرز في الانتخاب الجنسي الذي يهدف بصورة محضة وراء بقاء الأنسب جمالاً بين الأحياء.
وما من باحث الم بدراسة التاريخ التطوري للأحياء إلا ويعلم إن مسايرة التخصص