والتناسق في الأعضاء تدرجاً لتطور العضويات لا تدلنا على شيء مثل دلالتها على سيطرة مبدأ الجمال على الأحياء. ولا خفاء انه إذا القينا نظرة عامة على تاريخ العضويات التطوري لا لقينا إن مبدأ الجمال ولم يزل القوة المسيطرة على المخلوقات والمسيرة لها منذ لبدء وان المخلوقات كلما ازدادت ارتقاء ازدادت جمالاً، فالزواحف أكثر جمالاً من البرمائيات والطيور أكثر جمالا من الزواحف، والثدييات ارفع منزلة في الجمال من الطيور والإنسان أكثر جمالا من الثدييات. (والبرمان) سيكون أعلى المخلوقات مرتبة من حيث الجمال لان منتهى درجات التطور.
هذه محاولة بسيطة لتفسير الجمال من ناحية التطور، والذين ألموا بدراسة النشؤ وفلسفته يعملون إن رأينا في الجمال هنا قد تؤيده مشاهدات صحيحة مقتطعة من صلب التاريخ الطبيعي، ويحسن بنا ألا نغالي في تقدير رأينا التطوري في الجمال قبل أن نشرح الفلسفة المثالية للجمال ونناقشها مناقشة صحيحة.
١_الرجل المثالي
يعرف المثاليون الجمال بأنه العاطفة التي تحصل في النفس حين التأمل وتنعكس على الموضوع المتأمل فيه، وبتعبير آخر هو تشخيص العواطف السارة الناشئة عن التأمل ويستمد هذا التعريف عناصره من فن الذوق والجمال وهذا يعرف الاختبار (الاستاتيكي) بأنه الاختيار التأملي الذي تنعكس من عواطفنا في موضوع التأمل. ومن الجلي إن الرأي المثالي في الجمال هو رأي فاعلي أي أن الشعور بالجمال وتذوقه هما نتيجتان لاختباراتنا الشخصية ولانعكاس عواطفنا فقد نقول عن السماء المتلبدة بالغيوم بأنها قاتمة ونوصف السماء بالغضب عندما نسمع صوت الرعد أو نقول عن الألوان بأنها مسرة وزاهية وعن الطبيعة بأنها فرحة بينما ليس هذا الانعكاس لعواطفنا وشعورنا. والمثالية لا تنكر تسرب عناصر التفكير، بيد انه تحصر هذا التسرب في حالة تحليل الموضوع وتذوقه. وهي ترى إن ليس ثمة في الطبيعة سوى الالكترونات والبروتونات تسير في دورانها اللانهائي. ثم إن الظواهر التي يتصورها الإنسان عن الطبيعة، والكيفيات التي يتخيلها عن الأشياء إن هي إلا أفكار شخصية واختبارات ذاتية كما إن رؤيتنا لها جميلة أو قبيحة هي نتيجة محضة لانسكاب عواطفنا عليها. ثم إن الشعور بالجمال الذي يشعر به الإنسان يتوقف على عدة