محافظ دار الآثار الوطنية بدمشق ومدارس التاريخ القديم بكلية الآداب
يقع التل المسمى (رأس شمرة) على بعد أحد عشر كيلو متراً من شمال مدينة اللاذقية. ولم يكن فيه ما يسترعي الانتباه ويميزه بشيء عن غيره من التلال الكثيرة الممتدة بحدباتها المتطامنة في مختلف المناطق السورية والتي يتألف بعضها من أنقاض أبنية قديمة من عصور مختلفة علت بعضها بعضا، واختفت معالمها منذ أزمان طويلة بفعل الرياح الساقيات، وشكله بسيط للغاية يشبه شبه منحرف يبلغ طول قطره الأكبر كيلو متراً واحدا، وطول ضلعه الشمالي - الجنوبي ستمائة متر وطول ضلعه الشرقي_الغربي خمسمائة وثمانين متراً. وظل يجرر أذيال حياة تكاد تكون منسية، متحفظا لنفسه بما فيه من أسرار حتى سنة ١٩٢٨ حيث عثر أحد الفلاحين وهو يحرث حقله على بلاطة فرفعها فإذا تحتها درج ينحدر إلى مدفن عميق. فسارع إلى إخبار السلطات المسؤولة عن اكتشافه، فتولت مصلحة الآثار القائمة آنئذ على العمل، دراسة المنطقة دراسة دقيقة. ودلت تحرياتها الأولى على أن هنالك مقبرة قديمة جداً. ولما أعدت العدة لإماطة اللثام عما خفي من هذه المنطقة، وبوشر في أعمال الحفر والتنقيب، ظهر يوجد على التل مجموعتان من الأطلال تبعد الأولى منهما قليلا عن المرفا الطبيعي المدعو (مينة البيضا) وتقوم الثانية إلى شرق الأولى على مسافة تقدر بثمانمائة متر. وهذه الأخيرة هي أطلال مدينة رأس شمرة القديمة. ولقد دلت الكتابات المسمارية التي وجدت في تل العمرنة بمصر وأيدتها النصوص المكتشفة فيما بعد في رأس شمرة نفسها على أنها هي (أوغاريت) المدينة الفينيقية المشهورة في العالم القديم.
ومنذ عام ١٩٢٩ حتى أول الحرب الماضية جرت فيها حفريات كان يقودها (كلودشيفر) و (جورج شنيه) في فاتحة كل ربيع، وكان بنتيجتها أن ظهرت معالم المدينة القديمة وأشياء أثرية كثيرة استنتج منها العلماء، وما زالوا يستنتجون معلومات على غاية من الأهمية عن حياة ومدنية الشعوب التي سكنت هذه البقعة من الشرق القديم، مما طير اسم رأس شمرة في الآفاق وجعله معروفا لدى الرأي العلمي العالمي الذي يترقب الآن بصير فارغ متابعة